صلّى الله عليه وسلّم لمسجده أنه صلّى الله عليه وسلّم جعل له ثلاثة أبواب: باب في مؤخره، وباب عاتكة الذي يدعى باب عاتكة ويقال باب الرحمة، هذا لفظه. وأطبق على وصفه بذلك من بعده من المؤرخين، حتى صار في زماننا هو الأغلب عليه، ومع ذلك فلم أر في كلام أحد بيان السبب في تسميته بذلك، وسألت عنه من لقيته من المشايخ فلم أجد عند أحد منهم علما من ذلك، ثم ظهر لي معناه بحمد الله تعالى، وذلك أن البخاري روى في صحيحه عن أنس بن مالك أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما، ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغثنا، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، ولما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبعا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة- يعني الثانية- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب- الحديث- بطوله، وسنبين في باب زياد- وهو الذي يلي هذا- أن دار القضاء كان محلها بين باب الرحمة وباب السلام، وقد تقرر أنه لم يكن للمسجد في زمنه صلّى الله عليه وسلّم في هذه الجهة إلا الباب المعروف بباب الرحمة؛ فظهر أن هذا الرجل الطالب لإرسال المطر وهو رحمة إنما دخل منه، وقد أنتج سؤاله حصول الرحمة، وأنشأ الله السحاب الذي كان سببا فيها من قبله أيضا؛ لأن سلعا في غربي المسجد، فسمي والله أعلم بباب الرحمة لذلك، لكن في رواية البخاري عن أنس أيضا أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ومقتضاها أنه دخل من الباب الذي كان في شامي المسجد؛ لقرب إطلاق مواجهته للمنبر عليه، لكن ذلك الباب ليس نحو دار القضاء، فليجمع بين الروايتين بأن الواقعة متعددة كما اقتضاه كلام بعضهم، أو بأنه وقع التجوز في إطلاق كون ذلك الباب وجاه المنبر، أو بأن باب الرحمة كان كما قدمناه في آخر جهة المغرب مما يلي الشام، فجاء ذلك الداخل من جهته ودخل منه، ثم رأى أن قيامه بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر لا يتم له إلا بتخطي الصفوف، فعرج إلى الباب الآخر المواجه للمنبر، لغلب إطلاق باب الرحمة على الباب الذي في جهة مجيئه؛ لاعتضاده بما تقدم من مجيء السحاب من قبله، والله أعلم.
[باب زياد (باب القضاء)]
والثامن عشر: باب كان يعرف بباب زياد وقد سد أيضا عند تجديد الحائط الذي هو فيه وكان بين خوخة أبي بكر الآتي ذكرها وبين الباب الذي قبله وسمي بذلك لما رواه ابن شبة عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عمه قال: كانت رحبة القضاء لعمر رضي الله