وفي العبر للذهبي أن حرقه كان من مسرجة القوّام.
قال المؤرخون: ثم دبت النار في السقف بسرعة آخذة قبله، وأعجلت الناس عن إطفائها بعد أن نزل أمير المدينة فاجتمع معه غالب أهل المدينة فلم يقدروا على قطعها، وما كان إلا أقل من القليل حتى استولى الحريق على جميع سقف المسجد الشريف واحترق جميعه حتى لم تبق خشبة واحدة.
قلت: لعل مرادهم لم تبق خشبة كاملة؛ لما قدمناه من مشاهدة بقايا خشب كثير عند إخراج الهدم الذي كان بالحجرة.
قال القطب القسطلاني: وتلف جميع ما احتوى عليه المسجد الشريف من المنبر النبوي والأبواب والخزائن والشبابيك والمقصير والصناديق وما اشتملت عليه من كتب وكسوة الحجرة وكان عليها إحدى عشرة ستارة.
[حكمة الله في الحريق]
ثم ذكر القطب حكما لذلك وأسرارا، لكون تلك الزخارف لم ترضه صلّى الله عليه وسلّم، وككون القلوب لما لاحظت المساجد الثاثة بعين التعظيم ولا يجوز في ذلك أن تنزل فوق قدرها، بل لا بد أن يعتقد أن صفة قهره تعالى وعظمته مستولية على الجميع؛ فهو الواحد القهار، فوقع الحريق في الكعبة وبيت المقدس قديما، ثم وقع بهذا المسجد في هذا الزمان عقب ظهور المعجزة العظيمة في ظهور نار الحجاز التي أخبر بها النبي صلّى الله عليه وسلّم وحماية جيرانه منها لما التجؤوا إليه وانطفائها عند الوصول إلى حرمه كما سبق، وربما خطر ببال العوام أن حبس النار عنهم ببركة الجوار موجب لحبسها عنهم في الآخرة، فاقتضى الحال التبيين بذلك.
ونظم الأقشهري أبياتا مضمونها أن تسليط النار كان على تلك الزخارف المنهي عنها، وأن ما كان حقا فيبقى، وما كان زورا فبالنار يحرق، قال: وأنشدني الحافظ الصالح الشيخ إبراهيم بن محمد الكناني رئيس المؤذنين هو وأبوه قال: وجد بعد الحريق في بعض جدران المسجد بيتان وهما:
لم يحترق حرم النبيّ لريبة ... يخشى عليه وما به من عار
لكنه أيدي الروافض لامست ... تلك الرسوم فطهّرت بالنار
قلت: وأوردهما المجد بلفظ:
لم يحترق حرم النبي لحادث ... يخشى عليه ولا دهاه العار
لكنما أيدي الروافض لامست ... ذاك الجناب فطهرته النار
وأورد بعدهما بيتين آخرين هما:
قل للروافض بالمدينة ما بكم ... لقيادكم للذم كل سفيه