للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهما عن تلك الجهة الشريفة، ثم توارثوا ذلك، واستمر العمل عليه، فلما ترك ذلك وصلوا على الجنائز في المسجد مشوا على ما اعتادوه من جعل رجلي الميت عن يسار الإمام مع الغافلة عن ذلك، وإذا لم تثبت سنة في جعل رجلي الميت عن يسار الإمام فينبغي جعلهما عن يمينه في هذا المحل الشريف، استعمالا لكمال الأدب.

وقد قال لي الشيخ فتح الدين بن تقي الدين الكازروني- وكان يعد من فضلاء الشافعية- وقد ذاكرته بذلك: إذا أنا مت فليجعل رجلاي عن يمين الإمام، ففعل به ذلك رحمة الله، على أن الموضع الذي يلي الأرجل الشريفة من المسجد هو من موضع الجنائز في زمنه صلّى الله عليه وسلّم فيما يظهر، ويدل عليه ما اتفق لبني النجار لما أراد عمر بن عبد العزيز قطع النخلتين عند عمارته للمسجد؛ فلو صلّى فيه اليوم على من يدخل به المسجد من الجنائز لكان أولى؛ فإنه يتأتى فيه كون الرجلين عن يسار الإمام والرأس في جهة الأرجل الشريفة، ويكون أفضل لما جرت به العادة من الخروج بالميت من باب جبريل، وأوفق لفعل السلف في الصلاة على موتاهم هناك، ولم يوافق على شيء من ذلك المتمسكون بالعادات، وقد ذكرت نص ما أجبت به في ذلك مبسوطا استطرادا في كتابي «دفع التعرض والإنكار، لبسط روضة المختار» والله أعلم.

[الفصل الثامن عشر في زيادة المهدي]

نقل ابن زبالة ويحيى أن المسجد لم يزل على حالة ما زاد فيه الوليد إلى أن هم أبو جعفر المنصور بالزيادة فيه، ثم توفي ولم يزد فيه، حتى زاد فيه المهدي، لكن ذكر يحيى في حكاية ما كان مكتوبا في جدار القبلة ما لفظه: ثم إلى جنب هذا الكتاب- أي ما كتب في زمن المهدي- كتاب كتب في ولاية أبي العباس، يعني السفاح، وصل هذا الكتاب أي كتاب المهدي إليه، وهو: أمر عبد الله عبد الله أمير المؤمنين بزينة هذا المسجد وتزيينه وتوسعته مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ابتغاء رضوان الله وثواب الله، وإن الله عنده ثواب الدنيا والآخرة، وكان الله سميعا بصيرا، انتهى.

وهو يقتضي أن أبا العباس السفاح- وهو أول خلفاء بني العباس- زاد في المسجد أول ولايته، وولايته سنة اثنتين وثلاثين، ووفاته سنة ست وثلاثين ومائة، وسنشير إلى محمل ذلك آخر الفصل.

ولفظ ما نقله ابن زبالة عن غير واحد من أهل العلم- منهم عبد العزيز بن محمد ومحمد ابن إسماعيل- قالوا: لم يزل المسجد على حال ما زاد فيه الوليد بن عبد الملك حتى ولي أبو جعفر عبد الله- يعني المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس- فهمّ بالزيادة،

<<  <  ج: ص:  >  >>