الأشراف العلويين، وجرى الأمر على ذلك إلى يومنا هذا، لا يدخل المسجد إلا جنائز الأشراف وأهل السنة، وحاول بعض أهل المدينة إدخال بعض الشيعة غير الأشراف فقام في ذلك بعض أمراء الترك ومنع منه، وكان صاحبنا العلامة أحد شيوخ المالكية الشيخ شهاب الدين أحمد بن يونس القسنطيني ينكر الصلاة على الموتى بالروضة الشريفة ومقدم المسجد؛ لكون رجلي الميت تصيران إلى جهة الرأس الشريف، حتى إنه أوصى أن يصلّى عليه خارج المسجد في موضع الجنائز، وأكثر قبل وفاته من الاستفتاء في ذلك، وأراني خطوط جماعة من علماء الشام وغيرها من الشافعية وغيرهم يتضمن موافقته على ذلك، وفي كلام بعض الشافعية: ينبغي أن تكون الصلاة بالمسجد خلف الحجرة الشريفة أو شرقيها، والتمس مني الكتابة في ذلك، فكتبت بما حاصله أن الله تعالى قد أوجب على هذه الأمة تعظيم نبيها صلّى الله عليه وسلّم وتوقيره وسلوك الأدب التام معه، ولا شك أن الميت إذا وضع في مقدم الروضة أو المسجد كما يوضع اليوم وإن لم تكن رجلاه في محاذاة الرأس الشريف حقيقة؛ لأن الرأس الشريف في محاذاة صف أسطوان التوبة والمخلقة: أي حذاء الأسطوانات التي تكون خلف المصلى على الميت، لكن تكون رجلاه في محاذاة الجهة المذكورة، وقد تصدق المحاذاة مع البعد، ولو رأينا شخصا اضطجع بذلك المحل من الروضة وجعل رجليه لتلك الجهة الشريفة لأنكرنا ذلك عليه، وما ننكره على الأحياء لا ينبغي أن نفعله بالأموات، وقد تأملت كتب المذاهب الأربعة فلم أر فيها تعرضا لذكر السنة في جهة رجلي الميت، بل ذكر الشافعية فيما إذا حضرت جنائز وصلّى عليها الإمام دفعة وجهين: أصحهما وضع الجميع صفا بين يدي الإمام في جهة القبلة، زاد أبو زرعة العراقي في شرح البهجة: والأولى جعلها عن يمينه، والثاني يوضع الجميع صفا واحدا رأس كل إنسان عند رجل الآخر، ويجعل الإمام جميعهم عن يمينه، ويقف في محاذاة الأخير، هذا إذا اتحد النوع، فإن اختلف النوع تعين الوجه الأول، ذكره في أصل الروضة، ويؤخذ منه استحباب جعل رجلي كل ميت عن يمين الإمام على الوجه الثاني، وإلا فلا يكون الجميع صفا عن يمينه، وأما على الوجه الأول فيؤخذ ذلك أيضا مما تقدم عن أبي زرعة، ولعل مأخذه فيه ما ذكر في الثاني، وإذا ثبت ذلك في الجماعة فالواحد كذلك؛ فيكون الأولى جعل رجليه عن يمين الإمام، ولكن الذي عليه الناس جعلهما على يساره.
ورأيت في كتب المالكية ما يقتضي أن ذلك هو الأولى، وأن الناس مضوا على ذلك.
وقد ظهر لي أن السر في ذلك أن السلف- كما يؤخذ مما قدمناه- إنما كانوا يصلون على الجنائز خارج المسجد في شرقيه في الموضع المعروف بذلك، والواقف هناك يكون القبر الشريف عن يمينه، فرأوا- والله أعلم- أن الأدب جعل الرجلين عن يسار الإمام صرفا