طرف عقد باب السلام مما يلي باب الحصن العتيق، وجعل ما أمام الباب مما يحاذي العقد المذكور رحبة بالمسجد، وصار الناس ينزعون النعال عندها، وعمل عند عقد باب الرحمة مثل ذلك، ورفع ذلك الدرابزين، وكان ما بين الدرابزين وباب الرحمة منخفضا عن أرض المسجد فسواه بأرض المسجد كما هو اليوم، فاحتاج إلى رفع عتبته، فزاد العتبة المتخذة فوق العتبة الأصلية، وقصر شيئا من أسفل الباب، وذلك ظاهر فيه اليوم، وحصل بذلك صيانة للمسجد، واتخذ أيضا الرحبة التي أمام باب النساء، ورفع الدرابزين الذي كان من داخله، واتخذ لباب جبريل الرحبة التي أمامه، ولم يرفع الدرابزين؛ لأن الناس لم يكونوا يمشون بنعالهم إليه، ثم أزيل درابزينه أيضا عند عمارته بعد الحريق الثاني، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الفصل الثالث والثلاثون في خوخة آل عمر رضي الله تعالى عنه المتقدم ذكرها، وما يتعين من سدّها في زماننا
[تحديد موضع خوخة آل عمر]
اعلم أنها اليوم هي التي يتوصّل إليها من الطابق الذي بالرواق الثاني من أروقة القبلة، وهو الرواق الذي يقف الناس اليوم فيه للزيارة أمام الوجه الشريف بالقرب من الطابق المذكور. والذي يتلخص مما قدمناه في زيادة عثمان رضي الله عنه والوليد والمهدي أن الأصل في ذلك أنه لما احتيج لدار حفصة- يعني حجرتها- قالت: كيف بطريقي إلى المسجد، فقيل لها: نعطيك أوسع من بيتك، ونجعل لك طريقا مثل طريقك، فأعطيت دار عبيد الله بن عمر، أي التي صارت إليه بعد حفصة، وكانت مربدا، هذا ما رواه ابن زبالة.
وقد قدمنا في زيادة الوليد من رواية ابن زبالة أن عمر بن عبد العزيز بعث إلى رجال من آل عمر، وأخبرهم أن أمير المؤمنين كتب إليه أن يبتاع بيت حفصة، وكان عن يمين الخوخة أي من داخل المسجد، فقالوا: ما نبيعه بشيء، قال: إذا أدخله في المسجد، قالوا:
أنت وذاك، فأما طريقنا فإنا لا نقطعها، فهدم البيت، وأعطاهم الطريق ووسّعها لهم.
وقدمنا أيضا ما رواه يحيى عن مالك بن أنس من أن الحجّاج الثقفي هو الذي ساوم عبيد الله بن عبد الله بن عمر في هذا البيت وهدمه. وفي رواية ليحيى أن عمر بن عبد العزيز لما وصل في العمارة إلى دار حفصة قال له عبيد الله: لست أبيع هذا هو حق حفصة، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسكنها، فقال عمر: ما أنا بتارككم أو أدخلها المسجد، فلما كثر الكلام بينهما قال لهم عمر: أجعل لكم في المسجد بابا تدخلون منه، وأعطيكم دار الرقيق، وما بقي من الدار فهو لكم، ففعلوا.