أيضا سور بعلبك، وكمل بناء سور المدينة، وهو سورها الموجود اليوم، واسمه مكتوب على باب البقيع، وأما السور الذي داخل المدينة فإنما أحدثه الوزير جمال الدين محمد بن أبي منصور، وكان وزيرا لوالد الملك العادل يعني زنكي ثم استوزره بعد زنكي ولده غازي بن زنكي يعني أخا الملك العادل؛ فهذا يقتضي أن الملك العادل إنما كمل بناء السور الموجود اليوم فقط، ويبعده ما ذكره من بناء الجواد لسوره؛ فإنه لو كان السور المذكور موجودا لكان هو أكمله ولم ينشئ سورا غيره، ومدة بناء السورين المذكورين متقاربة كما يعلم مما قدمناه.
[من ماثر الجواد الأصفهاني]
وقال المجد: إن الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن بن أبي شامة قال في كتابه ما صورته:
ومن أعظم الأعمال التي عملها نفعا- يعني وزير الموصل جمال الدين الجواد- أنه بنى سورا على مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنها كانت بغير سور ينهبها الأعراب، وكان أهلها في ضنك وضر معهم.
قال ابن الأثير: رأيت بالمدينة إنسانا يصلي الجمعة، فلما فرغ ترحم على جمال الدين ودعا له، فسألناه عن سبب ذلك، فقال: يجب على كل مسلم بالمدينة أن يدعو له؛ لأننا كنا في ضر وضيق ونكد عيش مع العرب، لا يتركون لأحدنا ما يواريه ويشبع جوعته، فبنى علينا سورا احتمينا به ممن يريدنا بسوء، فاستغنينا، فكيف لا ندعو له؟ قال عقبه: قلت:
وهذا السور الذي بناه جمال الدين هو السور الثاني، والسور الذي بناه الملك العادل نور الدين هو السور الثالث، أي بحسب الزمان، وعلى كل منهما اسم بانيه على الأبواب، وأما السور الأول الذي بناه عضد الدولة فلم يبق منه أثر يعرف به مكانه، انتهى. هكذا نقلته من تاريخ المجد. وبقوله انتهى ظهر أن قوله قلت إلى آخره من كلام ابن أبي شامة، ويحتمل أن يكون من كلام ابن الأثير.
وقال المجد عقبه: قال: وكان الخطيب بالمدينة يقول في خطبته «اللهم صن حريم من صان حرم نبيك بالسور محمد بن علي بن أبي منصور» فلو لم يكن له إلا هذه المكرمة لكفاه فخرا، فكيف وقد أصابت صدقته تخوم الأرض شرقا وغربا وبرا وبحرا؟
وأما شدة عنايته بأهل المدينة فكانت عظيمة، قال ابن الأثير: حكى لي بعض الصوفية ممن كان يصحب الشيخ عمر التشاي شيخ شيوخ الموصل قال: أحضرني الشيخ فقال لي:
انطلق إلى مسجد الوزير بظاهر الموصل واقعد هناك، فإذا أتاك شيء فاحفظه إلى أن أحضر عندك، ففعلت، فإذا قد أقبل جمع كثير من الحمالين يحملون أحمالا من النصافي والخام، وإذا نائب جمال الدين قد جاء مع الشيخ ومعهما قماش كثير وثمانية عشر ألف دينار وعدة كثيرة من الجمال، فقال لي: تأخذ هذه وتسير إلى الرحبة وتوصل هذه الرزمة وهذا الكتاب إلى