للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه عن أبي أيوب أنهم تكلفوا له طعاما فيه بعض هذه البقول، فلما أتوه به كرهه وقال لأصحابه: كلوا فإني لست كأحدكم، إني أخاف أن أوذي صاحبي «١» .

وفي كتاب رزين عنه بعد ذكر نزوله عليه قال: وما مرت ليلة من نحو السنة إلا وتأتيه جفنة سعد بن معاذ ثم سائر الناس، يتناوبون ذلك نوبا، قال أبو أيوب: فصنعت له ليلة طعاما، وجعلت فيه ثوما، فلم يأكل منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففزعت فنزلت إليه فقلت له:

أحرام هو؟ فقال: إني أناجي، وأنا أكرهه لذلك، وأما أنتم فكلوه، قال: فقلت: فإني أكره ما تكره يا رسول الله.

[المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين]

قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود «٢» ، وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط لهم، وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال فيما بلغنا: تاخوا في الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي.

قلت: كانت هذه المؤاخاة بعد مقدمه صلّى الله عليه وسلّم بخمسة أشهر، وقيل: ثمانية، وهو يا بني المسجد، وقيل: بعده، وقيل: قبله، وذكره أبو حاتم في السنة الأولى، والظاهر أن ابتداءها كان فيها، واستمرت على حسب من يدخل في الإسلام أو يحضر، كما يعلم من تفاصيلها، قيل: وكانوا تسعين رجلا من كل طائفة خمسة وأربعون، وقيل: مائة، آخى بينهم على الحق والمواساة والتوارث، وكانوا كذلك إلى أن نزل بعد بدر وَأُولُوا الْأَرْحامِ [الأنفال: ٧٥] الآية.

وقال الواقدي: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة آخى بين المهاجرين، وآخى بين المهاجرين والأنصار.

وقال ابن عبد البر: كانت المؤاخاة مرتين: الأولى قبل الهجرة بمكة بين المهاجرين، فاخى بين أبي بكر وعمر، وهكذا حتى بقي علي رضي الله عنه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة، والمواخاة الثانية ما تقدم من مواخاة المهاجرين والأنصار، وهي المرادة بقول الحسن: كان التوارث بالحلف؛ فنسخ باية المواريث.


(١) البقول: المراد بها البصل والثوم والكراث.
(٢) وادع فلان: صالحه وسالمه وهادنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>