شيوخنا. وفي العتبية أن مالكا كره المراوح في المسجد، ويجوز النوم فيه من غير كراهة عندنا، وكره بعضهم لغير الغريب الذي لا موضع له غيره، وروي في ذلك أحاديث.
وأسند أحمد بن يحيى البلاذري عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: كان عمر بن الخطاب يعس في المسجد بعد العشاء، فلا يرى أحدا إلا أخرجه إلا رجلا قائما يصلي، فمر بنفر من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فيهم أبي بن كعب فقال: من هؤلاء؟ فقال أبي: نفر من أهلك يا أمير المؤمنين، قال: ما خلّفكم بعد الصلاة؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، فجلس معهم، ثم قال لأدناهم: خذ في الدعاء فدعا، فاستقرأهم رجلا رجلا حتى انتهى إلي وأنا بجنبه، فقال:
هات، فحصرت وأخذني الخجل، فقال: قل ولو أن تقول: اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، ثم أخذ عمر في الدعاء، فما كان أحد أكثر دمعة ولا أشد بكاء منه، ثم قال: تفرقوا الآن، انتهى.
[الحدث في المسجد]
ولا يحرم إخراج الريح من الدبر في المسجد، لكن الأولى اجتنابه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم:«فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» قال الزركشي: وقال بعض المتكلمين على الحديث من القدماء: الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته.
وروى ابن عدي في الكامل من طريق حمزة بن أبي حمزة الضبي عن أبي الزبير عن جابر قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يمر باللحم في المسجد، قال ابن عدي: وهذا منكر بهذا الإسناد، لا يرويه عن أبي الزبير غير حمزة، وحمزة يضع الحديث.
قلت: وقد روى ابن شبة نحوه، غير أنه منقطع الإسناد، ويغني عنه ما ورد من النهي عن اتخاذ المسجد طريقا، والله أعلم.
[القراءة في المصحف بالمسجد]
وقال مالك: لم تكن القراءة في المصحف بالمسجد من أمر الناس القديم، وأول من أحدثه الحجاج بن يوسف. وقال أيضا: أكره أن يقرأ في المصحف في المسجد، وأرى أن يقاموا من المساجد إذا اجتمعوا للقراءة.
قلت: الذي عليه السلف والخلف استحباب ذلك، وفي الصحيح «إنما بنيت- يعني المساجد- لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن» وهو عام في المصاحف وغيرها، وقد روى ابن شبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: إن أول من جمع القرآن في مصحف وكتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم وضعه في المسجد، فأمر به يقرأ كل غداة. وعن محرز ابن ثابت مولى سلمة بن عبد الملك عن أبيه قال: كنت في حرس الحجاج بن يوسف، فكتب الحجاج المصاحف، ثم بعث بها إلى الأمصار، وبعث بمصحف إلى المدينة، فكره ذلك