صلى الله تعالى عليه وسلم قادر على التسبب فيه بسؤاله وشفاعته إلى ربه فيعود إلى طلب دعائه وإن اختلفت العبارة. ومنه قول القائل له: أسألك مرافقتك في الجنة الحديث، ولا يقصد به إلا كونه صلى الله تعالى عليه وسلم سببا وشافعا.
[الحال الرابع:]
التوسل به صلى الله تعالى عليه وسلم في عرصات القيامة فيشفع إلى ربه تعالى، وذلك مما قام الإجماع عليه وتواردت به الأخبار. وروى الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أوحى الله إلى عيسى: يا عيسى آمن بمحمد وأمر من أدركته من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا أني خلقت محمدا ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن.
قلت: فكيف لا يستشفع، ولا يتوسل بمن له هذا المقام والجاه عند مولاه؟ بل يجوز التوسل بسائر الصالحين كما قاله السبكي، وإن نقل بعضهم عن ابن عبد السلام ما يقتضي أن سؤال الله بعظيم من خلقه ينبغي أن يكون مقصورا على نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقد روى ابن النعمان في مصباح الظلام قصة استسقاء عمر رضي الله تعالى عنه بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وتعالى وسلم نحو ما في الصحيح، وأن الحافظ أبا القاسم هبة الله بن الحسن رواها من طرق، وفي بعضها عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إذا قحط استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، ويقول: اللهم إنا كنا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فاسقنا، قال: فيسقون.
وفي رواية له عن ابن عباس أن عمر رضي الله تعالى عنهم قال: اللهم إنا نستسقيك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم، ونستشفع إليك بشيبته، فسقوا وفي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب:
بعمي سقى الله الحجاز وأهله ... عشية يستسقي بشيبته عمر
وروي أن العباس رضي الله تعالى عنه قال في دعائه: وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقال عياض في الشفاء بسند جيد عن ابن حميد أحد الرواة عن مالك فيما يظهر قال:
ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدّب قوما فقال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات: ٢] الآية، ومدح قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ