للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوطانا، ولو لم يكن إلا جواره صلّى الله عليه وسلّم بها وقد قال صلّى الله عليه وسلّم «ما زال جبريل يوصيني بالجار» الحديث، ولم يخص جارا دون جار، ولا يخرج أحد عن حكم الجار وإن جار، ولهذا اخترت تفضيل سكناها على مكة، مع تسليم مزيد المضاعفة لمكة؛ إذ جهة الفضل غير منحصرة في ذلك؛ فتلك لها مزيد العدد، ولهذه تضاعف البركة والمدد، ولتلك جوار بيت الله، ولهذه جوار حبيب الله وأكرم الخلق على الله، سر الوجود، والبركة الشاملة لكل موجود.

قال عياض في المدارك: قال مصعب: لما قدم المهدي المدينة استقبله مالك وغيره من أشرافها على أميال، فلما بصر بمالك انحرف المهدي إليه فعانقه وسلّم عليه وسايره، فالتفت مالك إلى المهدي فقال: يا أمير المؤمنين، إنك تدخل الآن المدينة فتمر بقوم عن يمينك ويسارك، وهم أولاد المهاجرين والأنصار، فسلم عليهم؛ فإنه ما على وجه الأرض قوم خير من أهل المدينة، ولا خير من المدينة، قال: ومن أين قلت ذلك يا أبا عبد الله؟

فقال: إنه لا يعرف قبر محمد صلّى الله عليه وسلّم عندهم فينبغي أن يعرف فضلهم على غيرهم، ففعل المهدي ما أمره به، فأشار مالك- رحمه الله! - إلى أن المقتضى للتفضيل هو وجود قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بها، ومجاورة أهلها له.

الفصل الرابع في بعض دعائه صلّى الله عليه وسلّم لها ولأهلها

، وما كان بها من الوباء، ونقله

حب النبي صلّى الله عليه وسلّم للمدينة

روينا في الصحيحين حديث «اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد» ورواه رزين العبدري والجندي بالواو بدل «أو» مع أن أوفى تلك الرواية بمعنى بل، وقد صح عنه صلّى الله عليه وسلّم في محبة المدينة ما لم يرد مثله لمكة؛ ففي صحيح البخاري وجامع الترمذي حديث «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران المدينة أوضع راحلته «١» ، وإن كان على دابة حركها من حبها» وفي رواية لابن زبالة «تباشرا بالمدينة» ، وفي رواية له «كان إذا أقبل من مكة فكان بالأثاية طرح رداءه عن منكبيه وقال: هذه أرواح طيبة» وقد تكرر دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم بتحبيب المدينة إليه كما سيأتي، والظاهر أن الإجابة حصلت بالأول، والتكرير لطلب الزيادة، وفي كتاب الدعاء للمحاملي وغيره عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه «كان إذا قدم من سفر من أسفاره فأقبل على المدينة يسير أتم السير، ويقول: اللهم اجعل لنا بها قرارا، ورزقا حسنا» .


(١) أوضع راحلته: حملها على السير السريع.

<<  <  ج: ص:  >  >>