للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما له في ذلك من المقصد. وأما جعله المنبر على خلاف السنة وجعله القوم أو بعضهم خلف ظهره فلا ثمرة له، وأيضا فيبعد إقرار من جاء بعده على ذلك، وأيضا لو كان ذلك من فعله لأنكر عليه كما أنكر عليه ما تقدم، ولو سلم أن تلك الدرج في موضع منبر مروان فالسنة تغيير ذلك واتباع ما صح من فعله صلى الله عليه وسلم، كما خولف في أمر الخطبة واتبع بها فعله صلى الله عليه وسلم حيث جعلت بعد الصلاة، والتشبث باستمرار أفعال الناس إنما يكون في شيء لم يعلم حكمه من جهة الشرع، أما ما علم حكمه فالواجب اتباع الشرع فيه، واعتقاد حدوث ما عليه الناس، وتقديره بأقرب زمان، وقد ذم الله تعالى قوما تمسكوا في جحد الحق بفعل سلفهم حيث قال حكاية عنهم: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف: ٢٣] فمن الواجب تطهير هذا المحل الشريف المنسوب للمصطفى صلى الله عليه وسلم عن هذه البدعة الشنعاء، ولذلك بينا بعض الدرج عن يمين القائم في محراب المسجد المذكور كما ذكر العلماء أنه السنة، وتكون مرتفعة بحيث يرى القائم عليها من خارج المسجد، والذي يظهر أن تلك الدرج إنما جعلت للمبلغ، وأن الخطيب إنما كان يقوم فيه على الأرض؛ لأنه الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم، فكأن بعض الخطباء قام عليها بعد ذلك فاستمر الأمر على ذلك، والله أعلم.

[الطرف الثالث:]

فيما جاء في فضل المصلى الشريف، والدعاء به، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن تضييقه والبناء به.

أورد ابن شبة في ترجمة المصلى عن جناح النجار قال: خرجت مع عائشة بنت سعد بن أبي وقاص إلى مكة، فقالت لي: أين منزلك؟ فقلت لها: بالبلاط، فقالت لي: تمسك به فإني سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ما بين مسجدي هذا المسجد ومصلاي روضة من رياض الجنة» .

وقوله في هذه الرواية: «ما بين مسجدي هذا المسجد- إلى آخره» يدفع تأويل من أوّل حديث الأوسط للطبراني بلفظ «ما بين حجرتي ومصلّاي» والحديث الذي رواه ابن زبالة من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها بلفظ «ما بين منبري والمصلى» بأن المراد مصلاه الذي يصلي فيه في المسجد؛ لأنه لا يصح أن يقال: ما بين هذا المسجد والمصلى الذي فيه، ولهذا استدلّت به عائشة بنت سعد على الحث على التمسك بالدور التي بالبلاط، يعني الآخذة من باب السلام إلى المصلى؛ لأنها فيما بين المسجد ومصلى العيد، وإذا كان ما بين المسجدين المذكورين روضة فهما روضة من باب أولى؛ لأن ذلك الفضل إنما حصل لما بينهما بحصوله صلى الله عليه وسلم في ذلك وتردده صلى الله عليه وسلم فيما بينهما، فكيف بمحلّ سجوده وموقفه الشريف؟

وروى ابن شبة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فمر بالمصلّى استقبل القبلة ووقف يدعو.

<<  <  ج: ص:  >  >>