للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العلامة أبو العباس بن تيمية: عير جبل عند الميقات يشبه العير، وهو الحمار، وثور جبل في ناحية أحد، وهو غير جبل ثور الذي بمكة.

وروى بعض شراح المصابيح أن الله تعالى لما كلم موسى عليه السلام على الجبل تقطع ست قطع، فصارت ثلاث بمكة: حراء، وثبير، وثور، وثلاث بالمدينة: عير، وثور، ورضوى، وكأن ثورا سمي باسم فحل البقر لشبهه به، وهو إلى الحمرة أقرب، وقد صح بما قدمناه أن أحدا من الحرم؛ لأن ثورا حده من جهة الشام كما أن عيرا حده من جهة القبلة، ويقوم ذلك على الرواية التي فيها ذكر أحد بدل ثور، لما في ذلك من الزيادة عليها، وأنها من باب ذكر فرد مما شمله ذلك العموم بحكم العموم فلا تخصص، مع إفادتها لإدخال ما حاذى أطراف أحد شرقا وغربا، وما وقع في الشرحين والروضة وغيرهما من التحديد بما بين اللابتين وبما بين عير وأحد مبني على ما تقدم من أن الرواية الصحيحة «أحد» لعدم وجود ثور؛ فقد اتضح الحال، ولله الحمد.

[الفصل العاشر في أحاديث تقتضي زيادة الحرم على ذلك التحديد، وأنه مقدر ببريد]

أعلم أن قوله في حديث مسلم «وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى» ظاهر في التحريم لذلك القدر؛ إذ حول المدينة إنما هو حرمها، وحمى النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي ليس بحرم لم يكن حول المدينة على ما سيأتي بيانه، ولأن التقي السبكي قال: إن في سنن أبي داود تحديد حرم المدينة ببريد من كل ناحية، قال: وإسناده ليس بالقوي، والذي رأيته في أبي داود عن عدي بن يزيد «حمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا، لا يخبط شجره، ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل» رواه البزار بنحوه، ورواه ابن زبالة بلفظ «حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شجر المدينة بريدا في بريد منها، وأذن في المسد «١» والمنجدة ومتاع الناضح أن يقطع منه» والمنجدة: عصا الناضح «٢» .

وروى المفضل الجندي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: في قصة العبد الذي وجده يعضد- أو يخبط- عضاها بالعقيق: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من وجد من يعضد أو يخبط «٣» شيئا من عضاه المدينة بريدا في في بريد فله سلبه، فلم أكن لأرد شيئا أعطانيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» .


(١) المسد: الحبل المضفور المحكم الفتل. والمحور من الحديد تدور عليه البكرة.
(٢) المنجدة: (ج) مناجد: عود ينفش به الصوف أو القطن. وعصا تحث بها الدّابة.
(٣) عضد: جزّ وقطع. العضاة: كل شجر له شوك صغر أو كبر. الواحدة: عضاهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>