الحديث المتفق على صحته، بمجرد ادعاء أن أهل المدينة لا يعرفون جبلا يسمى ثورا، وذكر احتمال طرق التغيير في الأسماء والنسيان لبعضها، قال: حتى إني سألت جماعة من فقهاء المدينة وأمرائها وغيرهم من الأشراف عن فدك ومكانها فكلهم أجابوا بعدم معرفة موضع يسمى بذلك في بلادهم، مع أن هذه القرية لم تبرح في أيدي الأشراف والخلفاء يتداولونها إلى أواخر الدولة العباسية، فكيف بجبل صغير لا يتعلق به كبير أمر، مع أنه معروف بين أهل العلم بالمدينة، ونقل بعض الحفاظ وصفه بذلك خلفا عن سلف؟ اه.
قلت: قد حكى البيهقي في المعرفة قول أبي عبيد: أهل المدينة لا يعرفون جبلا يقال له ثور، ثم قال البيهقي: وبلغني عن أبي عبيدة أنه قال في كتاب الجبال: بلغني أن بالمدينة جبلا يقال له ثور، انتهى.
ونقل المجد في ترجمة عير عن نصر أنه قال: عير جبل يقابل الثنية المعروفة بشعب الجوز، وثور جبل عند أحد، انتهى. فدل على أن ما اشتهر في زماننا وقبله من وجود ثور بالمدينة له أصل في الزمن القديم، وإن خفي على بعضهم، وقد أخبرني بوجوده جماعة كثيرة من الخواص، وأروني إياه خلف أحد، ونقل جماعة عن المحدث أبي محمد عفيف الدين عبد السلام بن مزروع البصري نزيل المدينة المشرفة أنه رآه غير مرة، وأنه لما خرج رسولا من صاحب المدينة إلى العراق كان معه دليل يذكر له الأماكن والأجبل، فلما وصلا إلى أحد إذا بقربه جبل صغير، فسأله: ما اسم هذا الجبل؟ فقال له: يسمى ثورا، وقد حكى عنه نحو هذا القطب الحلبي في شرح البخاري، وقال المحب الطبري: أخبرني الثقة الصدوق الحافظ العالم المجاور بحرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، قال الطبري: فعلمنا بذلك أن ما تضمنه الحديث صحيح، وعدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه، انتهى.
وقد رد الجمال المطري في تاريخه على من أنكر وجود ثور، وقال: إنه خلف أحد من شماليه، صغير مدور، يعرفه أهل المدينة خلف عن سلف.
وقال الأقشهري: وقد استقصينا من أهل المدينة تحقيق خبر جبل يقال له ثور عندهم، فوجدنا ذلك اسم جبل صغير خلف جبل أحد يعرفه القدماء دون المحدثين من أهل المدينة، والذي يعلم حجة على من لا يعلم، اه.