بها جبلا يقال له ثور، وإنما ثور بمكة، قال: فإذا نرى أن الحديث أصله «ما بين عير إلى أحد» .
قلت: وكذا رواه الطبراني برجال ثقات، بلفظ:«ما بين عير وأحد حرام، حرّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» وهو كذلك في رواية لابن زبالة.
وقال الحازمي: الرواية الصحيحة «ما بين عير إلى أحد» وقيل: «إلى ثور» وليس له معنى، وتكلف بعضهم فقال: إلى بمعنى مع، كأنه جعل المدينة مضافة إلى مكة في التحريم لأن ثورا بها.
وقال الموفق بن قدامة: يحتمل أن المراد تحريم قدر ما بين ثور وعير اللذين بمكة، أو سمى النبي صلّى الله عليه وسلّم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا، انتهى. وهو يقتضي إنكار وجود عير بالمدينة أيضا.
وقد قال الزركشي: نقل عياض عن بعضهم أنه ليس بالمدينة ولا ما يقرب منها جبل يعرف بأحد هذين الاسمين، أعني عيرا وثورا. قال ياقوت في معجمه: وهذا وهم، فإن عيرا جبل مشهور بالمدينة، وقال ابن السيد: عير جبل بقرب المدينة، وعبارة عياض في المشارق: عير وعاير المذكوران في حرم المدينة في أكثر الروايات عير، وفي حديث علي عاير، قال الزبير بن بكار: هو جبل بالمدينة، وقال عمه مصعب: لا يعرف بالمدينة عير ولا ثور، انتهى.
وقال في المطالع: أكثر رواة البخاري ذكروا عيرا، وأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا، ومنهم من ترك مكانه بياضا، والأصل في هذا التوقف قول مصعب الزبيري: ليس بالمدينة عير ولا ثور، وأثبت غيره عيرا، ووافقه على إنكار ثور.
قلت: سيأتي في ترجمة عير من فصل البقاع عن مصعب الزبيري ما يقتضي إثباته له، وشهرة عير غير خافية بين العلماء، إنما الغرابة في ثور.
وقال النووي عقب نقل الحازمي المتقدم: ويحتمل: أن ثورا كان اسما لجبل هناك:
إما أحد، وإما غيره، فخفي اسمه.
وقال صاحب البيان والانتصار: قد صحت الرواية بلفظ ثور؛ فلا ينبغي الإقدام على توهيم الرواة بمجرد عدم العرفان، فإن أسماء الأماكن قد تتغير، أو تنسى ولا يعلمها كثير من الناس، قال: وقد سألت بمكة عن وادي محسّر وغيره من أماكن تتعلق بالنسك، فلم أخبر عنها مع تكرر مجيء الناس إليها، فما ظنك بغيرها؟ وأيضا فقد يكون للشيء اسمان فيعرف أحدهما دون الآخر.
وقال المجد: لا أدري كيف وقعت المسارعة من هؤلاء الأعلام إلى إثبات وهم في