قلت: وقد ذكر أبو محمد عبد الله بن أبي عبد الله بن أبي محمد المرجاني هذه الواقعة باختصار في تاريخ المدينة له، وقال: سمعتها من والدي، يعني الإمام الجليل أبا عبد الله المرجاني، قال: وقال لي: سمعتها من والدي أبي محمد المرجاني سمعها من خادم الحجرة، قال أبو عبد الله المرجاني: ثم سمعتها أنا من خادم الحجرة الشريفة، وذكر نحو ما تقدم، إلا أنه قال: فدخل خمسة عشر- أو قال عشرون- رجلا بالمساحي والفاف، فما مشوا غير خطوة أو خطوتين وابتلعتهم الأرض ولم يسم الخادم، والله أعلم.
[الفصل الثلاثون في تحصيب المسجد الشريف وذكر البزاق فيه، وتخليقه، وإجماره، وذكر شيء من أحكامه]
[أول تحصيب المسجد النبوي]
روى أبو داود في سننه عن أبي الوليد قال: سألت ابن عمر عن الحصباء الذي في المسجد، فقال: مطرنا ذات ليلة، فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصباء في ثوبه ويبسطه تحته، فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلاة قال: ما أحسن هذا؟ وهو صريح في جعل الحصباء في المسجد في زمنه صلّى الله عليه وسلّم.
ويؤيده ما رواه أصحاب السنن من حديث أبي ذر: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه، فلا يمسح الحصباء، وكذا ما رواه أحمد من حديث حذيفة قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن كل شيء حتى عن مسح الحصى، فقال: واحدة أو دع، وكذا ما رواه أبو داود بإسناد جيد عن أبي هريرة، قال أبو بدر: أراه رفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: إن الحصاة تناشد الذي يخرجها من المسجد، لكن قد سئل الدارقطني عن هذا الحديث فذكر أنه روي موقوفا على أبي هريرة، وقال: رفعه وهم من أبي بدر.
وروى يحيى عن بعض السلف أنه كان إذا خرج بالحصاة من المسجد في ثوبه أو نعله أمر بردّها إلى المسجد.
وروى ابن شبة عن سليمان بن يسار قال: الحصاة إذا أخرجت من المسجد تصيح حتى ترد إلى موضعها.
وذكر البرهان بن فرحون أن مالكا سئل عن الرجل يخرج من المسجد فيجد شيئا من حصى المسجد قد تعلّق بوجهه، أيلزمه ردّه إلى المسجد؟ فقال: لا يلزمه ذلك، وأرخص له في طرحه، فقال السائل: يا أبا عبد الله إنهم يقولون إذا أخرجت الحصاة من المسجد تصيح حتى ترد إلى المسجد، فقال له مالك: دعها تصيح حتى ينشق حلقها، فقال: أولها حلق؟