سعد لصحة حديثه وثقة رجاله، دون حديث سلمة. قلت: مع أن الذي في الصحيح من حديث سعد لا تعرض فيه لأن القطع كان بالعقيق، وركوبه إلى قصره بالعقيق لا يقتضي أن القطع كان به، بل يقتضي أن القطع في موضع من الحرم خارج، على أن ما يلي ذا الحليفة من العقيق ليس من الحرم عندنا لخروجه عما بين اللابتين، والمالكية وإن اعتبروا البريد فحرم الصيد عندهم ما بين اللابتين كما تقدم، مع امتداد العقيق إلى النقيع «١» ؛ فبعضه خارج عن الحرم بكل حال، فصح ما قاله البيهقي، وقصر سعد مع قصور العقيق في الطرف الداخل منه في الحرم عندنا؛ لكونه بالحرة الغربية. هذا، مع احتمال حديث سلمة لكونه كان قبل تحريم المدينة، والله أعلم.
[الثانية: ما يستثنى مما يحرم]
استثنى المطري تبعا لابن النجار جواز أخذ ما تدعو الحاجة إليه للرحل- بالحاء المهملة- والوسائد، من شجر حرم المدينة، وما تدعو الحاجة إليه من حشيشه للعلف، بخلاف مكة، هكذا قالاه، وسبقهما إليه ابن الجوزي من الحنابلة فقال في منسكه: إن المدينة تفارق مكة في أنه يجوز أن يؤخذ من شجر المدينة ما تدعو الضرورة إليه للرحل وشبهه، انتهى، ومأخذهم في ذلك ما تقدم في الفصل العاشر في بعض تلك الأحاديث المشتملة على الترخيص في ذلك ونحوه، مع ما رواه ابن زبالة من حديث: يا رسول الله، إنا أصحاب عمل ونضح، وإنا لا نستطيع أن ننتاب أرضا، فرخص لهم في القائمتين والوسادة والعارضة والأسنان، فأما غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط، والكلام أولا في توجه الاستدلال بذلك من حيث الإسناد، مع أنا قدمنا في غضون تلك الأحاديث ما يقتضي المنع، سيما حديث الطبراني بإسناد حسن إذ فيه قول جابر: لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكن هشوا هشا، ثم قال جابر: إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليمنع أن يقطع المسد. قال خارجة: والمسد مرود البكرة، ومن تأمل كلام أصحابنا الشافعية لا يفهم منه سوى استواء الحرمين في ذلك؛ لقولهم: إنه يجوز أخذ حشيش حرم مكة لعلف الدواب على الأصح. وقد قال النووي في الكلام على قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث مسلم المتقدم «ولا يخبط شجره إلا لعلف» : إن فيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف، بخلاف خبط الأغصان وقطعها فإنه حرام، انتهى. وقد قال هو وغيره في شجر مكة: إنه يجوز أخذ أوراقها لكنها لا تهش حذرا من أن يصيب لحاها. وفي شرح المهذب: يجوز أخذ ورقها والأغصان الصغيرة للسواك ونحوه، انتهى؛ فقد استوى الحرمان في ذلك. وقد قال
(١) النقيع: البئر الكثيرة الماء. وهو موضع قريب من المدينة.