للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحتمل التأخير إلى الإتلاف، انتهى. ولا فرق في هذا بين صيد وصيد، ولا بين شجرة وشجرة، وكأن السلب في معنى العقوبة لمتعاطي ذلك. قال السراج البلقيني: ولو كان الصائد أو قاطع الشجر في حرم المدينة عبدا هل يسلب ثيابه كما اتفق لسعد بن أبي وقاص؟ قال: والذي يقتضيه النظر أنه لا يسلب العبد؛ فإنه لا ملك له، وكذلك لو كان على الصائد ثوب مستأجر أو مستعار فإنه لا يسلب، ولم أر من تعرض له، انتهى. قلت:

التحقيق التفصيل بين ما إذا أمره السيد أو من في معناه بذلك وبين ما إذا لم يأمره، ويحمل ما اتفق لسعد على الأول، ولو كان على الصائد والمحتطب ثياب مغصوبة لم تسلب بلا خلاف، كما نقله في شرح المهذب، ونقله في المطلب عن البحر، ثم قال: وينبغي أن تكون المستعارة كذلك، ولو لم يشاهده أحد يصطاد فالظاهر أنه يجب عليه حمل السلب إلى نائب الإمام، ولو تحدث بحضرة أحد فسمعه فهل يجوز له أن يسلبه؟ الظاهر عندي لا، انتهى. ولو أدخل إلى حرم المدينة صيدا لم يلزمه إرساله، وله ذبحه به اتفاقا، وكذا حرم مكة عندنا. وقد روى البيهقي أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يقدمون مكة فيرون بها في الأقفاص القماري «١» واليعاقيب، وهذا محمل حديث «يا أبا عمير، ما فعل النغير «٢» » أو أنه كان قبل تحريم المدينة؛ لأنه في أول الهجرة، وتحريم المدينة كان بعد رجوعه صلّى الله عليه وسلّم من خيبر، كما أوضح ذلك الحافظ ابن حجر. وقد تمسك أبو حنيفة بقصة أبي عمير فيما ذهب إليه من عدم تحريم صيد المدينة؛ لذهابه في حرم مكة إلى وجوب الإرسال على من أدخل إليه صيدا من خارجه، قال: فلو حرم النبي صلّى الله عليه وسلّم صيد المدينة لما أقر النغير في يد أبي عمير. وجوابه ما تقدم، قال البيهقي: والذاهب إلى عدم تحريم الصيد وغيره بالمدينة زعم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما أراد بقاء رينة المدينة وبهجتها لتستوطن كما منع من هدم آطام المدينة لذلك، قال أبو هريرة رضي الله عنه: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هدم آطام المدينة، وقال: إنها زينة المدينة، أي فالنهي للتنزيه. قال البيهقي: والنهي عندنا على التحريم حتى تقوم دلالة على التنزيه، قال: واستدل المخالف بحديث سلمة «أما إنك لو كنت تصيد بالعقيق لشيّعتك إذا ذهبت وتلقيتك إذا جئت، فإني أحب العقيق» قال البيهقي: وهو حديث ضعيف، ومن يدعي العلم بالآثار لا ينبغي له أن يعارض الأحاديث الثابتة في حرم المدينة لهذا الحديث الضعيف، وقد يجوز أن يكون الموضع الذي كان سلمة يصيد فيه خارجا من حرم المدينة، والموضع الذي رأى فيه سعد بن أبي وقاص غلاما يقطع شجرا من حرم المدينة داخله، حتى لا يتنافيان، ولو اختلفا كان الحكم لرواية


(١) القماري: واحدها القمريّ: ضرب من الحمام مطوّق حسن الصوت.
(٢) النّغير مصغر النّغر (ج) نغران: فرخ العصفور. والبلبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>