للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعدا وجد إنسانا يعضد، أو يخبط، عضاها بالعقيق، فأخذ فأسه ونطعه وشيئا سوى ذلك، فاطلع العبد إلى ساداته فأخبرهم الخبر، فركبوا إلى سعد فقالوا: الغلام غلامنا، فاردد إليه ما أخذت منه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذكر ما قدمناه عنه في الفصل العاشر، وقال في آخره: «فلم أكن لأرد شيئا أعطانيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ورواه ابن زبالة من طرق بنحوه.

وفي بعضها أن سعد بن أبي وقاص وجد جارية لعاصية السلمية تقطع الحمى فضربها وسلبها شملة لها وفأسا كانت معها، فدخلت عاصية السلمية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستعدت على سعد، فقال: اردد إليها يا أبا إسحاق شملتها وفأسها، فقال:

«لا، والله لا أرد إليها غنيمة غنمنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمعته يقول: من وجدتموه يقطع الحمى فاضربوه واسلبوه» واتخذ من فأسها مسحاة فما زال يعمل بها حتى لقي الله. وفي بعضها: أخذ سعد بن أبي وقاص جارية لعاصية السلمية تقطع شجرا بالعقيق، فنزع سلبها، وذكر نحوه. وروى أيضا عن سعد قال: غنّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من وجدناه يقطع من شجر حرم المدينة الرطب منه. وعن زيد بن أسلم نحوه. وروى الجندي عن عبد الكريم بن أبي المخارق قال: أتى عمر بن الخطاب ناحية من المدينة فوجد غلاما لبعضهم في حائط، فقال: هل يأتيك هاهنا أحد يحتطب؟ قال: نعم، فقال له عمر: إن رأيت منهم أحدا فخذ فأسه وحبله، قال: وثوبه؟ قال: فأبى، وفس نسخة فأفتى، وفي رواية عنه: أن عمر قال لغلام قدامة بن مظعون: أنت على هؤلاء الحطابين، فمن وجدته احتطب فيما بين لابتي المدينة فلك فأسه وحبله، قال: وثوباه؟ قال عمر: ذلك كثير.

وقد اختلف القائلون بالتحريم في حرم المدينة بالنسبة إلى الضمان بالجزاء، فعن أحمد روايتان، وللشافعي أيضا قولان كالروايتين: الجديد منهما عدم الضمان وهو قول مالك؛ لأنه ليس بمحل نسك، فأشبه مواضع الحمى ووج الطائف «١» ، والقديم الضمان، وهو المختار كما قاله النووي وغيره، لحديث سعد المتقدم، والجواب عنه مسكل، وعلى هذا فالأصح أنه يسلب الصائد وقاطع الشجر والكلأ كما يسلب القتيل من الكفار حتى يؤخذ فرسه وسلاحه، وقيل: الثياب فقط، ويكون ذلك للسالب على الأصح، وقيل:

لفقراء المدينة كما أن جزاء صيد مكة لفقرائها، وقيل: يوضع في بيت المال وسبيله سبيل السهم المرصد للمصالح. قال الشيخ أبو محمد: ويعطى المسلوب إزارا يستر به عورته، فإذا قدر على ما يستر به عورته أخذه منه، واختار الروياني أنه يترك له، وصوبه النووي.

قال الرافعي: والذي يسبق إلى الفهم من الحديث وكلام الأئمة أنه يسلب إذا اصطاد، ولا يشترط الإتلاف، ولفظ الغزالي في الوسيط: لا يسلب حتى يصطاد أو يرسل الكلب،


(١) الوجّ: واد بين الطائف ومكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>