منبرا، الحديث. وأخرج الطبراني بإسناد فيه مترول أن اسم صانع المنبر إبراهيم، وفي أسماء الصحابة لابن شبة مرسلا: اسمه قبيصة أو قصيبة بتقديم الصاد، المخزومي، مولاهم، وعند أبي داود بإسناد جيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما بدّن قال تميم الداري: يا رسول الله ألا تتخذ لك منبرا يحمل- أو يجمع- عظامك، قال صلّى الله عليه وسلّم: بلى، فاتخذ له منبرا مرقاتين: أي غير المقعدة.
قال الحافظ ابن حجر: وليس في الروايات التي سمي فيها النجار قوي السند إلا هذا، وليس فيه تصريح بأن الذي اتخذ المنبر تميم، بل قد تبين من رواية ابن سعد المتقدمة أن تميما لم يعمله، وأشبه الأقوال بالصواب أنه ميمون؛ لكون الإسناد من طريق سهل، ولا اعتداد بالأقوال الآخرى لكونها واهية.
قلت: ولا ينافيه قوله في مقدمة الشرح «باقوم أشهر الأقوال» فقد يشتهر الواهي.
وفي التحفة لابن عساكر: روينا من حديث أبي كبشة السلولي عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أتّخذ منبرا فقد اتخذه أبي إبراهيم، وإن اتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم، صلى الله عليهما وسلم.
وأسند ابن النجار من حديث أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسندا ظهره إليها، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبرا، فبنوا له منبرا له عتبتان، وهو يقتضي أن المنبر كان بناء، ويحتمل أنه أطلق على تأليفه من الأخشاب اسم البناء، لكن قال الحافظ ابن حجر: حكى بعض أهل السير أنه صلّى الله عليه وسلّم «كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب» ويعكر عليه ما تقدم في الأحاديث الصحيحة من أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب.
قلت: يحتمل أن ذلك المنبر المتخذ من الطين كان إلى جانب الجذع، وكأنه كان بناء مرتفعا فقط، وليس له درج ومقعدة بحيث يكمل الارتفاق به؛ فلا ينافي ما تقدم في سبب اتخاذ المنبر من خشب، ويؤيد ذلك ما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة قالت: فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، الحديث، وهذه القصة متقدمة على اتخاذ المنبر من الخشب؛ فقد جزم ابن النجار بأن عمله كان سنة ثمان، وجزم ابن سعد بأنه كان في السنة السابعة، على أن ذكر تميم والعباس في عمله كما تقدم يقتضي تأخره عن ذلك أيضا؛ فقد كان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان، وقدوم تميم سنة تسع، وفي بعض طرق الحديث: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس بين أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو، فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه، الحديث. وفي بعض طرقه أنه جاء والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب أي: على ذلك الدكان، والله أعلم.