الزائر جهة المغرب حتى يحصل ذلك، وذلك لأن الحائط القبلي منحرف كما أشرنا إليه في التصوير المتقدم، فلا يقتضي ذلك أن المستقبل للمحل الذي عينه من غير وضع وجهه يكون مقابلا للوجه الشريف، وإنما يسامت الواقف الوجه الشريف إذا حاذى المسمار المتقدم وصفه، وكأن يحيى يرى أن الزائر يلصق خده بجدار القبر على الهيئة السابقة، فيصير محل المسمار المذكور أمامه، ولذلك أورد عقب ما تقدم عنه قصة أبي أيوب الأنصاري الآتي ذكرها في التزامه القبر.
واعلم أن تشبيك باب المقصورة التي حدثت إدارتها على ما حول الحجرة الشريفة قد يمنع من مشاهدة المسمار المذكور إلا لمن يتأمل ذلك من تشبيكه، وذلك يشغل قلب الزائر، وقد تحرر لنا أن ما يقابله من ذلك هو الصرعة الثانية من باب المقصورة القبلي الذي على يمين مستقبل القبر الشريف، فمن حاذى هذه الصرعة كان محاذيا لذلك، وهذا المسمار مموّه بالذهب رأسه مستدير، وقد أحدث متولي العمارة مسمارا آخر رأسه فضة، لكنه في أول هذه الصفحة القبلية مما يلي المغرب قريبا من جهة الصندوق المتقدم وصفه، ورأس هذا المسمار مكوكب كالقبة، فلا يشتبه بالمسمار المتقدم، وأحدث أيضا مسمارين آخرين في ابتداء الصفحة الغربية مما يلي القبلة قريبا من مسماره المتقدم، وما علمت السبب في إحداث ذلك، وقد زالت هذه المسامير الثلاثة المحدثة بالحريق الثاني.
وأما الموضع المعروف بمقام جبريل عند مربعة القبر فقد تقدم أنه كان هناك مسمار في منحرف المربعة إلى الزاوية الشمالية من الحجرة علامة عليه، فلم نجده هناك، وسألت عنه الخدام والمرخمين فقالوا: إنهم لم يجدوا هناك شيئا، وتسمية ذلك الموضع بمقام جبريل تقدم مستنده في الكلام على أسطول مربعة القبر، ولم أدر لم سمي بذلك، إلا أن ابن جبير ذكر هذا المحل من الحجرة الشريفة، وقال: وعليه ستر مسبل يقال: إنه كان مهبط جبريل عليه السلام، انتهى. لكن ترجم ابن شبة في كتابه لمقام جبريل ثم قال: قال أبو غسان: علامة مقام جبريل عليه السلام التي يعرف بها اليوم أنك تخرج من الباب الذي يقال له باب آل عثمان، فترى على يمينك إذا خرجت من ذلك الباب على ثلاثة أذرع وشبر وهو من الأرض على نحو من ذراع وشبر حجرا أكبر من الحجارة التي بها جدار المسجد، قال: فكان مالك بن أنس يقول، وسقط ما بعد ذلك من كتاب ابن شبة فلم أدر ما هو، لكن يستفاد من ذلك حكاية خلاف في مقام جبريل: هل هو داخل المسجد عند المربعة المذكورة أو خارجه عند باب آل عثمان وهو المعروف اليوم بباب جبريل؟ ولعل ذلك سبب تسمية الباب المذكور بذلك، كما ستأتي الإشارة إليه.
وقال ابن زبالة: أخاف المسجد من شرقيه في سلطان محمد بن عبد الله بن سليمان