الحاج الغريب إذا رأى مثل هذا الباب بدرج تحت الأرض في المسجد وقيل له: إنه يصل إلى بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيت ابنته؟
وقد اشتهر ذلك عند أهل المدينة حتى إن أحدا منهم لا يكره، فيود الغريب المسكين لو بذل روحه في الوصول لذلك، وربما لم يكن معه شيء، فيتجشم المشقة في الوصول لذلك، فقد أخبرني صاحبنا الشيخ المبارك أبو الجود بركات الجيعاني أنه قدم المدينة قديما قبل أن يجاور بها، قال: فلم أملك نفسي أن دخلت في هذا الطابق فطبقه الجالس عنده على ظهري حتى كاد يقصمه لأنه لم يعطه شيئا. وأخبرني هو وغيره ممن أثق به أنه يقع في أسفله من الإزدحام واختلاط النساء بالرجال ما لا يوصف مع ضيقه، حتى إن الماشي فيه يحتاج إلى الانحناء.
وأخبرني بعضهم: أنه رأى فيه منكرا شينعا، وهو أن بعض الأحداث يمشي خلف النساء مع الازدحام، وكون المشي على تلك الهيئة؛ فيقع ما لا يرضي الله ولا رسوله بين يديه صلّى الله عليه وسلّم. وكيف يتمادى الناس على إقرار ذلك الآن؟ وهو ليس إلا لمجرد ما ذكرناه، فإنه كان بابا لدار، ولأن من هو بيده لا يملك شيئا من تلك الدور، ولو كان مالكها فليس وضعه لسوى دخول أهل تلك الدور منه، فإنه لم يجعل إلا ليدخل منه آل عمر إلى المسجد، لا لأن يأخذوا فلوسا على من يخرج من المسجد مارا منه، فقد كانوا منزهين عن ذلك. ثم لو سلمنا أن تلك الدور مستحقة للزيارة فزيارتها متيسرة من خارج المسجد، وكيف يتخذ المسجد طريقا، ويخص منه ما يكون بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم على تلك الحالة المنكرة لأجل شيء خسيس من الدنيا؟ ونحن نفديه صلّى الله عليه وسلّم بأنفسنا فضلا عن أموالنا، وقد أمر صلّى الله عليه وسلّم بسد الأبواب التي كانت شارعة في المسجد إلا خوخة أبي بكر وإلا باب علي كما قدمناه، مع أن أهل تلك الأبواب إنما كان قصدهم بها التوصل إلى المسجد، فكيف يبقى باب بين يديه صلّى الله عليه وسلّم لا نفع له إلا أخذ شيء من الحطام على المرور منه؟ هذا ما لا يرضاه مؤمن يرى تعظيم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
ثم إن هذا الطابق له قفل، وما حوله من الخشب فيه نوع نتوء، فقد رأيت من لا أحصيه من الخلق يتعثرون به، وربما سقط بعضهم لوجهه، ثم إنه إذا كثر الدوس عليه في ليالي الزيارات كليلة النصف من شعبان ونحوها يرتج تحت الأرجل حتى تزلزل الأرض زلزالها، وذلك يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد قدمنا أن عائشة رضي الله عنها كانت تسمع الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بالمسجد فترسل إليهم لا تؤذوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالوا: وما عمل عليّ مصراعي داره إلا بالمناصع- وهو متبرز النساء ليلا خارج سور المدينة- توقيا لذلك.