استعمال مؤن غير صالحة، وأن القبة التي سبق اتّخاذها على أعلى ما يحاذي الحجرة الشريفة قد تشققت ثم رمّت ثم تشققت، ولم يفد الترميم فيها، وأن المنارة الرئيسية قد مالت، مع أمور أخرى، فتغير خاطره على متولي العمارة، ثم انتخب لذلك المقر الشجاعي شاهين الجمالي لما اشتمل عليه من الفضل والنبل وإصابة الرأي، وفوض إليه أيضا مشيخة الحرم ونظره ونظر السماط، فورد المدينة الشريفة في موسع عام أحد وتسعين وثمانمائة، وجمع الناس للنظر في ذلك، وراجع فيه أهل الخبرة، فاقتضى الحال هدم المنارة الرئيسية وهدم أعالي القبة المذكورة، ولما هدم المنارة المذكورة ظهر أن الخلل من عدم المبالغة في حفر أساسها، فحفر أساسها حتى بلغ به الماء، واتخذ لها أحجارا من الحجر الأسود متقنة، وأحكم بناءها مع الحسن الفائق، بحيث لم ير قبلها بالمدينة الشريفة مثلها، وجعل بابها من المغرب في محله الأول، وأبطل تلك الدرج المحدثة بأرض المسجد على ما سبق، وأما القبة فاتخذ في الطاقات المحيطة بجوانبها سقفا يمنع من سقوط ما يهدم منها إلى أرض الحجرة الشريفة، ثم شرع في هدمها وإعادتها، بحيث لم يرفع كسوة الحجرة الشريفة ولم يتخذ المسجد طريقا للعمال في ذلك، بل اتخذ أساقيل يمشي عليها إلى سطح المسجد في ناحيته الشرقية، واتخذ حاجزا لمحل المنارة يحول بينها وبين المسجد بحيث يظن الظان أن المسجد لا عمارة به، وصانه أيضا من الامتهان بعمل أرباب الصنائع، فجزاه الله تعالى خير الجزاء، وجعل ثوابه على ذلك من أوفر الأجزاء.
وقد جاءت القبة حسنة مع الإتقان، حتى إنه استصحب في هذه العمارة الجبس من مصر المحروسة، واستعمله في البناء، وحرص على إتقان الآجر، وزاد العمال فيه على عادتهم، ولم يوفق متولي العمارة قبله لشيء من ذلك، سامحه الله، وكل ميسّر لما خلق له.
وقد ذكر ابن النجار ما كان عليه الخلفاء من الاهتمام بعمارة المسجد النبوي فقال: ولم يزل الخلفاء من بني العباس ينفذون الأمراء على المدينة الشريفة، ويمدونهم بالأموال لتجديد ما ينهدم من المسجد النبوي، فلم يزل ذلك متصلا إلى أيام الناصر لدين الله، أي الخليفة في زمنه، قال: فإنه ينفذ في كل سنة من الذهب العين الإمامي ألف دينار لعمارة المسجد، وينفذ عدة من النجارين والبنائين والنقاشين وأرباب الحرف، وتكون مادتهم مما يأخذونه من الديوان ببغداد من غير هذه الألف، وينفذ من الحديد والصناع والرصاص والحبال والآلات شيئا كثيرا، ولا تزال العمارة متّصلة في المسجد حتى إنه ليس به موضع أصبع إلا وهو عامر، انتهى.
قلت: وعقب وفاة ابن النجار بيسير انتقل أمر المدينة الشريفة إلى ملوك مصر، ولم يزل ملوكها يهتمون بعمارة هذا المسجد الشريف، ومن أعظمهم همة في ذلك، وأحبهم في