ثم كتب إلى بعض الثقات بتكامل تحصيل تلك الأماكن، وأن متحصلها سبعة آلاف إردب وخمسمائة إردب من الحبّ في كل سنة، وأن السلطان أدام الله نصره أنجز وقفها وشرع في عمارة أماكن بمصر تقوية للوقف، ورسم بإبطال المكوس بالمدينة وتعويض أميرها.
وقد كملت سقف المسجد النبوي كلها في أواخر شهر رمضان عام ثمان وثمانين وثمانمائة، وتمت عمارة المسجد الشريف عقب ذلك، ولم يبق سوى اليسير من العمائر السابق ذكرها وإكمال ترخيم المدرسة الأشرفية.
وفي عام تسع وثمانين حضر جماعة من الدهانين بعث بهم السلطان الأشرف أعز الله أنصاره من مصر لمحو ما بلغه أنه جعل في بعض سقف المسجد الشريف من الدهان بالنيلة وإبداله باللازورد، وجهّز معهم أساقيل لذلك، فعملوه على أحسن وجه، ثم جهز؟
الأشرف عين الأعيان ونخبة الزمان البهائي بهاء الدين أبا البقاء بن الجيعان عظم الله شأنه وأسبغ عليه نعمه وإحسانه في ركب مع جماعة من خواصه، فوصل إلى المدينة الشريفة سابع ذي القعدة الحرام من العام المذكور، ومعه أحمال من كتب العلوم الشرعية موقوفة بالمدرسة الأشرفية، وأحمال كثيرة من الحبّ والدقيق والقدور النحاس التي جعلت برسم السّماط المتقدم ذكره، وبقايا آلات العمارة مما جهز في المراكب الشريفة إلى الينبع، فقرر أمر السماط، فصرف لكل شخص من المقيمين من الحب ما يكفيه على حسب عدة عياله، لكل نفر سبع إردب مصري بتقديم السين على الموحدة، وسوّى في ذلك بين الصغير والكبير والحر والعبد، وجعل للآفاقيين ما يكفيهم من الخبز وطعام الجشيشة في كل يوم، وقرر أمر المدرسة، وصرف للمرخمين وغيرهم من أرباب الصنائع مصروف بقية عملهم، وأحسن النظر في ذلك حتى زاد جماعة منهم من ماله وتلطف بهم وأحسن، فانطلقت الألسن بالدعاء له، أحسن الله له الجزاء، وجعل نصيبه من خيري الدارين من أوفر الأجزاء.
وقد قارن هذه العمارة من السعد وتسهيل الأمور ما لا يوصف، ويسر الله تعالى لهم من آلات العمارة ما لم نكن نظن حصوله بنواحي المدينة الشريفة، خصوصا أخشاب الدّوم، فقطعوا من الموضع المعروف بالشقرة ومن الصويدرة ومن الفرع وغير ذلك ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وكذلك أخشاب السّمر.
وقد أخبرني بعض المباشرين لهذه العمارة الميمونة أن المصروف فيها وفيما شرعوا فيه من عمارة المدرسة وتوابعها نقدا وأثمان آلات وبهائم وغير ذلك مائة وعشرون ألف دينار، ومع ذلك فلم يتم بعد.
ثم بعد أن منّ الله تعالى بإتمامها بلغ السلطان الأشرف أن متولي العمارة تسمح في