وروى يحيى عن إدريس بن محمد بن يونس بن محمد الظفري عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «جلس على الحجر الذي في مسجد بني ظفر» وكان زياد بن عبيد الله أن أمر بقلعه حتى جاءته مشيخة بني ظفر وأعلموه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس عليه، فرده، قال: فقلّ امرأة نزر ولدها تجلس عليه إلا حملت. قال يحيى عقبه: مسجد بني ظفر دون مسجد بني عبد الأشهل، قال: وأدركت الناس بالمدينة يذهبون بنسائهم حتى ربما ذهبوا بهنّ بالليل فيجلسن على هذا الحجر.
قلت: ولم أزل أتأمل في سر ذلك حتى اتضح لي بما رواه الطبراني برجال ثقات عن محمد بن فضالة الظفري، وكان ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتاهم في مسجد بني ظفر، فجلس على الصخرة التي في مسجد بني ظفر اليوم ومعه عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأناس من أصحابه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم قارئا فقرأ حتى أتى على هذه الآية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: ٤١] فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اضطرب لحياه. فقال: «أي ربّ شهيد على من أنا بين ظهرابيه، فكيف بمن لم أر» ؟
قلت: ولم يزل الناس يصفون الجلوس على ذلك الحجر للمرأة التي لا تلد، ويقصدون ذلك المسجد لأجله، غير أني لم أر فيه حجرا يصلح للجلوس عليه، إلا أن في أسفل كتف بابه عن يسار الداخل حجرا مثبتا من داخله، فكأنه هو المراد، والناس اليوم إنما يقصدون حجرا من تلك الصخور التي هي خارجة في غربيه فيجلسون عليه، وهذا بعيد لأن الرواية المتقدمة مصرّحة بأنه في المسجد.
وقال المطري: وعند هذا المسجد آثار في الحرة من جهة القبلة، يقال: إنها أثر حافر بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي غربيه أي غربي أثر الحافر أثر على حجر كأنه أثر مرفق يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم اتّكأ عليه، ووضع مرفقه الشريف عليه، وعلى حجر آخر أثر أصابع، والناي يتبركون بها.
قلت: ولم أقف في ذلك على أصل، إلا أن ابن النجار قال في المسجد التي أدركها خرابا ما لفظه: ومسجدان قريب البقيع، وذكر ما سيأتي عنه في مسجد الإجابة، ثم قال:
وآخر يعرف بمسجد البغلة فيه أسطوان واحد، وهو خراب، وحوله كثير من الحجارة فيها أثر يقولون: إنه أثر حافري بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.
وقد بني ما تهدّم منه بعد ابن النجار، إلا أنه لم يجعل له سقفا، فليس به شيء من الأساطين. ورأيت فيه حجر رخام عن يمين محرابه قد كتب فيه ما صورته: خلّد الله ملك الإمام أبي جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين. عمر سنة ثلاثين وستمائة، وذرعته