قلت: نظره إنما يتوجه على ما قدمه من أن النزول كان إلى ما بين الحائطين وأنه مشى إلى باب البيت، وليس في كلام ابن النجار تعرض لشيء من ذلك، بل مقتضى ما قدمناه عنه- من أن الحجرة الشريفة بها ممرق، وبسقف المسجد مثله- أن النزول إنما هو من العلو إلى سقف الحجرة، ثم منه إليها؛ فلا نظر، على أن الجدار الذي أشار إليه وأن عائشة بنته ولم نجد له أثرا إلا ما تقدمت الإشارة إليه من رأس جدار الحائط الشامي مقتض لأنه كان هناك جدار من الشام إلى القبلة، وكذلك الباب لم نجد له أثرا كما قدمناه.
وأما تأزير الحجرة بالرخام فليس له ذكر في كلام ابن زبالة، وله ذكر في كلام يحيى؛ فإنه روى ما حاصله أن بيت فاطمة الزهراء لما أخرجوا منه فاطمة بنت حسين وزوجها حسن بن حسن وهدموا البيت بعث حسن بن حسن ابنه جعفرا، وكان أسنّ ولده، فقال له: اذهب ولا تبرحن حتى يبنوا فتنظر الحجر الذي من صفته كذا وكذا هل يدخلونه في بنيانهم، فلم يزل يرصدهم حتى رفعوا الأساس وأخرجوا الحجر، فجاء جعفر إلى أبيه فأخبره، فخر ساجدا وقال: ذلك حجر كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي إليه إذا دخل إلى فاطمة، أو كانت فاطمة تصلي إليه، الشك من يحيى.
وقال علي بن موسى الرضي: ولدت فاطمة عليها السلام الحسن والحسين على ذلك الحجر.
قال يحيى: ورأيت الحسين بن عبد الله بن عبد الله بن الحسين ولم أر فينا رجلا أفضل منه إذا اشتكى شيئا من جسده كشف الحصى عن الحجر فيمسح به ذلك الموضع، ولم يزل ذلك الحجر نراه حتى عمّر الصانع المسجد ففقدناه عندما أزر القبر بالرخام، وكان الحجر لاصقا بجدار القبر قريبا من المربعة.
قال بعض رواة كتاب يحيى: الصانع هذا هو إسحاق بن سلمة، كان المتوكل وجه به على عمارة المدينة ومكة.
قلت: وكانت خلافة المتوكل سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وتوفي في شوال سنة سبع وأربعين، وكان هذا مأخذ بن النجار في قوله إن المتوكل في خلافته أمر إسحاق بن سلمة وكأن على عمارة الحرمين من قبله أن يؤزّر الحجرة بالرخام ففعل.
ثم في خلافة المقتفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة جده جمال الدين وزير بني زنكي، وجعل الرخام حولها قامة وبسطة.
قلت: ولم يذكر أحد من المؤرخين تجديدا لهذا الرخام بعد ذلك، وقد جدده في زماننا متولي العمارة الآتي ذكرها الجناب الشمس المحسني الخواجكي بن الزمن بأمر المقام الشريف السلطاني قايتباي عز نصره، ووجد في الصفحة القبلية عند ابتدائها من جهة المغرب في