تعالى عليه وسلم سيدي بذلك، فأوصلني إلى الحجرة، وودعني ورجع، فمكثت آكل من الذي أعطاني أربعة أيام، ثم جعت بعد ذلك، فإذا بالغلام قد أتاين بطعام، ثم لم أزل كذلك كلما جعت أتاني بطعام حتى سبب الله لي جماعة خرجت معهم إلى ينبع.
وروى ابن النعمان أيضا بسنده إلى أبي العباس بن نفيس المقرئ الضرير قال: جعت بالمدينة ثلاثة أيام، فجئت إلى القبر وقلت: يا رسول الله، جعت، ثم نمت ضعيفا، فركضتني جارية برجلها، فقمت إليها فقالت: أعزم، فقمت معها إلى دارها، فقدمت إلي خبز برّ وتمرا وسمنا وقالت: كل يا أبا العباس، قد أمرني بهذا جدي صلى الله عليه وسلم، ومتى جعت فأت إلينا.
قال أبو سليمان داود في مصنفه في الزيارة بعد روايته لذلك كله: إنه قد وقع في كثير مما ذكر وأمثاله أن الذي يأمره صلى الله عليه وسلم في ذلك إنما يكون من الذرية الشريفة، لا سيما إذا كان المتناول طعاما؛ لأن من تمام جميل أخلاق الكرام إذا سئلوا القرى البداءة بأنفسهم، ثم بمن يكون منهم، فاقتضى خلقه الكريم أن إعطاء سائل القرى يكون منه ومن ذريته الكريمة.
قلت: والحكايات في هذا الباب كثيرة، بل وقع لي شيء منها: أني كنت بالمسجد النبوي عند قدوم الحاج المصري للزيارة، وفي يدي مفتاح الخلوة التي فيها كتبي بالمسجد: فمر بي بعض علماء المصريين ممن كان يقرأ على بعض مشايخي، فسلمت عليه، فسألني أن أمشي معه إلى الروضة الشريفة وأقف معه بين يدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ففعلت، ثم رجعت فلم أجد المفتاح، وتطلبته في الأماكن التي مشيت إليها فلم أجده، وشق علي ذهابه في ذلك الوقت الضيق مع حاجتي إليه، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقلت: يا سيدي يا رسول الله، ذهب مفتاح الخلوة، وأنا محتاج إليه وأريده من بابك، ثم رجعت فرأيت شخصا قاصدا الخلوة، فظننته بعض من أعرفه، فمشيت إليه، فلم أجده إياه، ووجدت صغيرا لا أعرفه بقرب الخلوة بيده المفتاح، فقلت له: من أين لك هذا؟
فقال: وجدته عند الوجه الشريف، فأخذته منه.
ومن هذا النوع ما اتفق لي في سكناي تلك الخلوة في ابتداء الأمر وغير ذلك مما يطول ذكره.
وأنشدت مرة بين يديه صلى الله عليه وسلم في قضية أوذيت فيها قصيدة أولها: