رضي الله تعالى عنه فيقول: السلام عليك يا أبا بكر صفيّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وثانيه في الغار، ورفيقه في الأسفار، جزالك الله عن أمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خير الجزاء، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع فيقول: السلام عليك يا عمر الفاروق، الذي أعز الله به الإسلام، جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء.
هذا ما ذكره النووي وغيره من أصحابنا وغيرهم. ولعل ابن حبيب- حيث ذكر التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ضجيعيه جملة يرى اصطفاف القبور سواء كما هو إحدى الروايات المتقدمة.
قال النووي وغيره: ثم يرجع الزائر إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فيتوسل به في حق نفسه، ويستشفع إلى ربه سبحانه وتعالى. قال: ومن أحسن ما يقول ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له، وسبق له ذكر في الفصل الثاني.
قلت: وليجدد التوبة في ذلك الموقف، ويسأل الله تعالى أن يجعلها توبة نصوحا، ويستشفع به صلى الله تعالى عليه وسلم إلى ربه في قبولها، ويكثر الاستغفار والتضرع بعد تلاوة قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إلى قوله رَحِيماً [النساء: ٦٤] مع ما سبق في حكاية العتبي، ويقول: نحن وفدك يا رسول الله وزوّارك، جئناك لقضاء حقك، والتبرك بزيارتك، والاستشفاع بك إلى ربك تعالى، فإن الخطايا قد أثقلت ظهورنا، وأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود، وقد جئناك ظالمين لأنفسنا، مستغفرين لذنوبنا، سائلين منك أن تستغفر لنا إلى ربك، فأنت نبينا وشفيعنا فاشفع لنا إلى ربك، واسأله أن يميتنا على سنتك ومحبتك، ويحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك غير خزايا ولا نادمين.
وروى يحيى الحسيني وغيره عن ابن أبي فديك قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: ٥٦] صلى الله تعالى على محمد وسلم، وفي رواية: صلى الله عليك يا محمد، يقولها سبعين مرة، ناداه ملك، صلى الله عليك يا فلان، لم تسقط لك اليوم حاجة.
قلت: فينبغي تقديم ذلك على الدعاء والتوسل، قال بعضهم: لكن الأولى أن يقول:
صلى الله وسلم عليك يا رسول الله، وإن كانت الرواية «يا محمد» تأدبا؛ أي لأن من خصائصه صلى الله تعالى عليه وسلم أن لا ينادى باسمه، بل يقال: يا رسول الله، يا نبي الله، ونحوه، والذي يظهر أن هذا في نداء لا يقترن به الصلاة والسلام.