ذلك ردم صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم بارد، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وقال لي بعض أصحابنا:
رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام، وسمعت أنها رئيت من مكة ومن جبال بصرى، اه.
وقال النووي: تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام.
ونقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب الشريف سنان قاضي المدينة الشريفة وغيره أن في ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة حدث بالمدينة في الثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها وباتت في تلك الليلة تزلزل، ثم استمرت تزلزل كل يوم وليلة مقدار عشر مرات- وفي كتاب بعضهم أربع عشرة مرة- قال: والله لقد زلزلت مرة ونحن حول الحجرة فاضطرب لها المنبر إلى أن سمعنا منه صوتا للحديد الذي فيه، واضطربت قناديل الحرم الشريف، زاد القاشاني: ثم في اليوم الثالث- وهو يوم الجمعة- زلزلت الأرض زلزلة عظيمة، إلى أن اضطربت منام المسجد، وسمع لسقف المسجد صرير عظيم، قال القطب: فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ظهرت تلك النار، فثار من محل ظهورها في الجو دخان متراكم غشى الأفق سواده، فلما تراكمت الظلمات وأقبل الليل سطع شعاع النار، فظهرت مثل المدينة العظيمة في جهة المشرق، والحكمة في ظهورها في يوم الجمعة غير خافية، ففي الحديث «من أفضل أيامكم يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ» الحديث، وفي الحديث أيضا:«خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفهي أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه» رواه أبو داود، وهو اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة، وأكمل فيه دينهم؛ فأراد الله أن يخوف عباده فيه بذلك ليردهم إليه، فتلك النار نعمة في صورة نقمة، ولهذا وجلت «١» منها القلوب وأشفقت، وأيقن الناس أن العذاب قد أحاط بهم. قال القاضي سنان: وطلعت إلى الأمير- وكان عز الدين منيف بن شيحة- وقلت له: قد أحاط بنا العذاب، ارجع إلى الله، فأعتق كل مماليكه، ورد على الناس مظالمهم- زاد القاشاني: وأبطل المكس- ثم هبط الأمير للنبي صلّى الله عليه وسلّم وبات في المسجد ليلة الجمعة وليلة السبت، ومعه جميع أهل المدينة حتى النساء والصغار، ولم يبق أحد في النخل إلا جاء إلى الحرم الشريف، وبات الناس يتضرعون