للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الطبراني مرسلا في خبر طويل قال فيه عن عروة: ثم بعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ابعث إلينا رجلا من قبلك يدعو الناس بكتاب الله؛ فإنه أدنى أن يتبع «١» ؛ فبعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو الناس، ويفشو الإسلام، وهم في ذلك مستخفون بدعائهم، ثم إن أسعد بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا مرقا أو قريبا منها، فجلسا هنالك، وبعثا إلى رهط من أهل الأرض، فأتوهم مستخفين، فبينا مصعب بن عمير يحدثهم ويقص عليهم القرآن أخبر بهم سعد بن معاذ، فأتاهم في لأمته «٢» ومعه الرمح حتى وقف عليه فقال: غلام يأتينا في دارنا، هذا الوحيد الفريد الطريد الغريب ليسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم، لا أراكما بعد هذا بشيء من جوارنا، فرجعوا، ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مرق أو قريبا منها فأخبر بهم سعد بن معاذ الثانية، فتوعدهم بوعيد دون الأول، فلما رأى أسعد منه اللين قال: يا ابن خالة، اسمع من قوله، فإن سمعت منكرا فاردده بأهدى منه، وإن سمعت خيرا فأجب إليه، فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليه مصعب: حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: ١- ٣] فقال سعد: وما أسمع إلا ما أعرف، فرجع وقد هداه الله، ولم يظهر أمر الإسلام حتى رجع إلى قومه، فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر إسلامه، وقال: من شك فيه من صغير أو كبير فليأتنا بأهدى منه، فو الله لقد جاء أمر لتحزّنّ فيه الرقاب، فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلامه ودعائه إلا من لا يذكر فكانت أول دار من دور الأنصار أسلمت بأسرها، ثم إن بني النجار اشتدوا على أسعد بن زرارة، وأخرجوا مصعب بن عمير، فانتقل إلى سعد بن معاذ، فلم يزل يدعو ويهدي على يديه، حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس، وأسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح، وكسرت أصنامهم، فكان المسلمون أمر أهلها، ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اه.

وقد روى هذه القصة ابن إسحاق عمن سمى من شيوخه بزيادة ونقص، فقال: إن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر على بئر يقال لها بئر مرق، فجلسا فيه واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، فلما سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حضير- وهما يومئذ سيدا قومهما بني عبد الأشهل- وكلاهما مشرك، قال سعد لأسيد: لا أبالك! انطلق إلى هذين الرجلين اللذين أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا؛ فإنه لولا أن أسعد


(١) أدنى أن يتبع: أولى أن يتبع.
(٢) اللامة: أداة الحرب كلها. وتشمل جميع أنواع السلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>