قلت: لعل في النسخة خللا لما سنذكره من ولادة إبراهيم في الثامنة ووفاته في العاشرة، فالكسوف في السادسة هو الكسوف الأول، وفيها نزل حكم الظهار، والله أعلم.
وفيها قتل المشركون سرية محمد بن مسلمة ولم يفلت منهم غيره، وكانوا عشرة، ثم كانت سرية علي بن أبي طالب إلى فدك في مائة رجل، ثم كانت سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، فظهر عليهم، فزوجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تماضر بنت الإصبغ بن عمرو الكلبي وهو ملكهم، ثم أجدب الناس فاستسقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رمضان في موضع المصلى فسقوا، ثم أرسل زيد بن حارثة في سرية، فسبى سلمة بن الأكوع في تلك السرية بنت مالك بن حذيفة، ثم كانت الحديبية، ثم أغار عيينة بن حصن الفزاري على لقاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستنقذها.
قلت: قد قدمنا في حدود الحرم أن لقاحه صلّى الله عليه وسلّم كانت ترعى بالغابة وما حولها، فأغار عليها عيينة يوم ذي قرد، وهو الموضع الذي كان فيه القتال، سميت الغزوة به، وتسمى أيضا غزوة الغابة.
قال ابن إسحاق: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوة بني لحيان وكان في شعبان سنة ست، لم يقم إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالغابة، وفيها رجل من بني غفار وامرأته، فقتلوا الرجل، واحتملوا المرأة في اللقاح، وكان أول من نذر بهم سلمة بن الأكوع، غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم، فأشرف في ناحية سلع، ثم صرخ: واصباحاه، ثم خرج يشتد في آثار القوم حتى لحقهم، فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى: خذها وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضّع، فإذا وجهت الخيل نحوه هرب، ثم عارضهم، وهكذا، وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صياحه، فصرخ بالمدينة: الفزع، الفزع، فترامت الخيل إليه، فلما اجتمعوا أمّر عليهم سعد بن زيد الأشهلي، وقال: اخرج في طلب القوم حتى ألحقك في الناس، فقتل أبو قتادة رضي الله عنه حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده، وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين، فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة ولكنه قتيل، فظنوه هو، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل له، وأدرك عكاشة بن محصن رضي الله عنه أوبارا وابنه عمر بن أوبار، وهما على بعير واحد، فانتظمهما بالرمح، فقتلهما جميعا، واستنقذوا بعض اللقاح، وسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل بالخيل من ذي قرد، وتلاحق به الناس، وأقام عليه يوما وليلة، وقال له سلمة: يا رسول الله لو سرّحتني في مائة رجل لاستنقذت