الخير كما رغب فيه أسعد، وأبو أمامة ومعاذ بن عفراء، فدفع لهم أبو بكر العشرة، ودفع كل من أولئك ما تقدم، ولم يقبله صلّى الله عليه وسلّم بلا ثمن أولا لكونه لليتيمين، لكن ابن سيد الناس نقل عن البلاذري أنه قال عقب كلامه الآتي: فعرض- يعني أسعد- على النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يأخذها ويغرم لليتيمين ثمنها، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك، وابتاعها منه بعشرة دنانير أداها من مال أبي بكر، انتهى؛ فيحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم أخذ أولا بعض المربد، ثم أخذ بعضا آخر؛ لما سيأتي من أنه زاد فيه مرة أخرى؛ فليست القصة متحدة. ورأيت بخط الأقشهري في كلام نقله عن أبي جعفر الداودي عن عبد الله بن نافع صاحب مالك أن المسجد كان مربدا لابني عفراء.
قلت: يحتمل نسبته إليهما لولايتهما على اليتيمين، أو أن لليتيمين أما تسمى عفراء، وأما ابنا عفراء المشهوران فهما معاذ ومعوذ ابنا الحارث، والذي في الصحيح من تسمية الغلامين سهل وسهيل أصح، والله أعلم.
وفي كتاب يحيى ما يقتضي أن أسعد بن زرارة كان قد بنى بهذا المربد مسجدا قبل مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنه قال: حدثنا بكر ثنا محمد بن عمر ثنا معاذ بن محمد عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال: سمعت أم سعد بنت سعد بن الربيع تقول:
أخبرتني النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي بالناس الصلوات الخمس، ويجمع بهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل ابني رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، قالت: فأنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما قدم صلّى بهم في ذلك المسجد وبناه، فهو مسجده اليوم.
ونقل ابن سيد الناس عن ابن إسحاق أن الناقة بركت على باب مسجده صلّى الله عليه وسلّم وهو يومئذ ليتيمين من بني مالك بن النجار في حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابني عمرو، ثم قال: وذكر أحمد بن يحيى البلاذري، قال: فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند أبي أيوب، ووهبت له الأنصار كل فضل كان في خططها، وقالوا: يا نبي الله إن شئت فخذ منازلنا، فقال لهم خيرا، قالوا: وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة يجمّع بمن يليه في مسجد له، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي فيه، ثم إنه سأل أسعد أن يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يديه ليتيمين في حجره يقال لهما سهل وسهيل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم، كذا نسبهما البلاذري، وهو يخالف ما سبق عن ابن إسحاق وغيره، والأول أشهر، انتهى، وتشهيره للأول- وهو كون الغلامين ابني عمرو- تقدم ما يقتضيه، لكن تقدم أيضا ما يقتضي الثاني، وهو الأرجح فقدم صرح ابن حزم في الجمهرة، ورواه ابن زبالة عن ابن شهاب، وكذا ذكره ابن عبد البر. وذكر السهيلي فيما نقله عنه الذهبي ما يحصل به الجمع