وقال في موضع آخر: عرض المرمر الذي حول المنبر ثمانية أذرع، وطوله ثماني عشرة ذراعا، وسماه في موضع آخر رخاما، وهو يطلق عليه لغة، وسيأتي ذكر هذه الدكة التي المنبر في وسطها عن ابن النجار حيث قال: وارتفاع الدكة التي المنبر عليها شبر وعقد، فكأن الكبس علا؛ فإنها كانت ذراعا في زمن ابن زبالة، وفي زمن ابن النجار شبرا وعقدا، ثم علا الكبس فلم يوجد اليوم، وقد ظهر أثرها وأثر الرخام المذكور عند حفر ما حول المنبر الشريف، وشاهدت الرخام الذي في قبلته كما سيأتي، وتلخص من هذا أن المرمر كان في جهة القبلة ثلاثة أذرع بعد المنبر، والظاهر أن عرض جدار المسجد الشريف أدخل في ذلك من جهة القبلة؛ فقد روى يحيى في ترجمة ما جاء في زيادة الوليد أن عمر بن عبد العزيز أحضر رجالا من قريش فأروه مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والذي زاد فيه عمر، والذي زاد فيه عثمان، فعلم عمر بن عبد العزيز المسجد الأول الذي كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان جدار القبلة من وراء المنبر ذراعا وأكثر من ذراع. وروى ابن زبالة أخبارا تتضمن أن جدار القبلة كان بينه وبين المنبر قدر ممر العنز، وفي العتبية ممر الرجل منحرفا، وفي الصحيح عن سهل: كان بين مصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين الجدار ممر الشاة.
وفيه أيضا عن سلمة: كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاة تجوزه؛ فتعين ما أشرنا إليه من إدخال جدار المسجد في ذلك الممر الذي جعل علامة في جهة القبلة، وأما الطاقات الأربع التي ذكرها علامة لنهاية المسجد من جهة الشام فغير معروفة اليوم، إلا أنه سيأتي فيما نقله المرجاني عن الحارث المحاسبي ما يبين محلها.
وأما الجواب على ما ذكر المطري من كون الدرابزينات متقدمة فالظاهر أن ابن النجار فهم أن المراد إدخال عرض الجدار الذي كان موجودا في زمنه صلّى الله عليه وسلّم لما تقرر عندنا من أن جدار المسجد من جملة المسجد، ويؤيده ما تقدم من التحديد بالمرمر من تلك الجهة، وما سيأتي في الفصل الثاني عشر من رواية أحمد عن نافع أن عمر رضي الله عنه زاد في المسجد من الأسطوانة- أي التي عند المصلى الشريف- إلى المقصورة؛ لأن ذلك هو الرواق الذي بين الأساطين التي في قبلة الروضة وبين الأساطين التي تليها في القبلة. وقد قال المراغي: إن الذي ظهر له أن الصندوق الذي في قبلة المصلى الشريف جعل في مكان الجدار القديم، ويشهد له ما سيأتي عن يحيى في ذرع ما بين المصلى الشريف وجدار القبلة اليوم، لكن عرض هذا الصندوق ذراعان، وبينه وبين الدرابزين أرجح من نصف ذراع، وذلك فيما يظهر أزيد من عرض الجدار القديم بنحو الذراع؛ لأني شاهدت لبنا أخرج من جدران الحجرة الشريفة في العمارة التي أدركناها أولا يزيد في الطول على الذراع، وعرضه نصف ذراع، وسمكه ربع ذراع، وفيه شيء مرتفع طوله وعرضه وسمكه واحد، وكل ثنتين منه طول لبنة مما قدمناه، والذي يظهر أنه كان من بقايا لبن الحجرة