المضاعفة هو ما كان في زمنه صلّى الله عليه وسلّم مع ما زيد فيه، لأخبار وآثار وردت في ذلك، واستحسنه ابن حملة على ما ذهب إليه النووي في كتبه من التخصيص، مع أن البرهان ابن فرحون نقل في شرحه لابن الحاجب الفرعي أنه لم يخالف في هذه المسألة غير النووي، وأن الشيخ محب الدين الطبري نقل في كتابه الإحكام أن النووي رجع عن ذلك، قال: ونقل أبو عبد الله بن فرحون في شرح مختصر الموطأ أنه وقف على كتاب من كتب المالكية فيه أن مالكا سئل عن ذلك فقال: ما أراه عليه السلام أشار بقوله: «في مسجدي هذا» إلا لما سيكون من مسجده بعده، وأن الله أطلعه على ذلك، انتهى.
قلت: أما قوله «إنه لم يخالف في ذلك إلا النووي» فممنوع؛ فقد نقل ذلك ابن الجوزي في الوفاء عن ابن عقيل الحنبلي، وأما ما نقله عن الإحكام للطبري فقد راجعتها فرأيته ترجم لبيان أن مسجده صلّى الله عليه وسلّم المشار إليه بالتفضيل هو الموجود في زمنه مع ما زيد فيه، وأورد بعض الأخبار الآتي ذكرها في آخر الفصل الثاني عشر، ثم قال: وقد يتوهم بعض من لم يبلغه ذلك قصر الفضيلة على الموجود في زمنه صلّى الله عليه وسلّم لمكان الإشارة، وقد وقع ذلك لبعض أئمة العصر، فلما رويت له ما سبق جنح إليه وتلقاه بالقبول، انتهى.
فكأن ابن فرحون فهم أن المراد من قولهم «بعض أئمة العصر» النووي.
وأما ما حكاه عن مالك فقد نقله الأقشهري في روضته عن عبد الله بن نافع صاحب مالك عن مالك، ولفظه في أثناء كلام: قيل له- أي لمالك- فحد المسجد الذي جاء فيه الخبر هو على ما كان في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم أو على ما هو الآن؟ قال: بل هو على ما هو الآن، قال: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر بما يكون بعده، وزويت له الأرض فأري مشارقها ومغاربها، وتحدث بما يكون بعده، فحفظ ذلك من حفظه في ذلك الوقت، ونسي ذلك من نسيه، ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون المهديون أن يزيدوا فيه بحضرة الصحابة ولم ينكر عليهم ذلك منكر، انتهى.
قلت: ومتمسك من ذهب إلى التخصيص الإشارة في قوله «مسجدي هذا» ولعله صلّى الله عليه وسلّم إنما جاء بها ليدفع توهم دخول سائر المساجد المنسوبة إليه بالمدينة غير هذا المسجد، لا لإخراج ما سيزاد فيه، وقد سلّم النووي أن المضاعفة في المسجد الحرام تعم ما زيد فيه، فليكن مسجد المدينة كذلك، كما أشار إليه ابن تيمية، قال: وهو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين وعملهم، وكان الأمر عليه في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما، فإن كلّا منهما زاد في قبلة المسجد، وكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه، ويمتنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده، وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غير مسجده، قال: