الفرض الجهة، نعم إن روي في الصحيح أنه نصب على العين فنقول: مقتضى الدليل ما ذكرتموه على القولين، أما على العين فظاهر، وأما على الجهة فإنما ذلك عند عدم المشاهدة، وهذا المحراب منزل منزلة الكعبة فمشاهده كمشاهدها، إلا أن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على بناء مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم واسعا وصلاتهم في أقطاره من غير أن ينقل الانحراف عنهم دليل على طرد حكم البعد في كل مكان، سواء تحقق صوب عين الكعبة أم لا، توسعة وتعميما للحكم، وتحقيقا للقول بأن فرض البعيد هو الجهة مطلقا، ولا أعلم أحدا تكلم في هذه المسألة، والظاهر فيها ما ذكرته، انتهى.
وفيه نظر، بل صلاة من بينه وبين المصلى الشريف أكثر من سمت الكعبة صحيح، واعتبار العين من غير انحراف لما تقرر من أن المسامتة تصدق مع البعد، ألا ترى أن الدائرة إذا عظمت اتسعت الخطوط فيسامت الخط الخارج من جبين المصلى الكعبة ظنا، وهو المكلف به في البعد، نعم هذا يقتضي جواز الاجتهاد بالتيامن والتياسر لمن بينه وبين المصلى الشريف أكثر من سمت الكعبة إلا أن ينقل عدمه عن الصحابة في زمنه صلّى الله عليه وسلّم مع إقراره صلّى الله عليه وسلّم لهم على ذلك، والله أعلم.
قد تم- بمعونة الله تعالى وحسن توفيقه- الجزء الأول من كتاب «وفاء الوفا، بأخبار دار المصطفى» تأليف العلامة المحقق، والمؤرخ المدقق، نور الدين علي السمهوري، أحد علماء القرن العاشر الهجري، ويليه- إن شاء الله تعالى- الجزء الثاني منه، وأوله «الفصل الرابع، في خبر الجذع الذي كان يخطب إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم- إلخ» نسأل الله الذي بيده تتم الصالحات أن يعين على إكماله، بمنه وفضله؛ إنه لا معين سواه، ولا يوفق للخير غيره.