فقط، ولا يعلم قدر زيادتها في الفضل على ذلك إلا الله تعالى، ولمثل هذا تضرب آباط الإبل، وتستحق الرحلة، ولا يعكر على ذلك ما رواه أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة وعائشة قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الأقصى» لأن المحفوظ إنما هو استثناء المسجد الحرام، وحديث أبي هريرة في الصحيح خلا قوله:«إلا المسجد الأقصى» وهو معارض بما تقدم، ولأن الهيثمي أورده في مجمع الزوائد ثم قال: رواه أحمد، وأعاده بعد هذا بسنده فقال: إلا المسجد الحرام، فاتضح بذلك ما قلناه.
وأما المسجد الحرام فاختلف الناس في معنى استثنائه، فذهب مالك في رواية أشهب عنه- وقاله ابن نافع صاحبه وجماعة من أصحابه- إلى أن معنى الاستثناء أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة، إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم أفضل من الصلاة فيه بدون الألف، وذهب بعضهم إلى أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بمائة صلاة، وحمل على ذلك الاستثناء في الحديث المتقدم، واحتجوا برواية سليمان بن عتيق عن ابن الزبير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في ما سواه» فيأتي فضيلة مسجد الرسول عليه بتسعمائة، وعلى غيره بألف، وتعقّب بأن المحفوظ بالإسناد المتقدم «صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا مسجد الرسول فإنما فضله عليه بمائة صلاة» .
قلت: وروى الطبراني في الأوسط عن عائشة مرفوعا: «صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في غيره» لكن فيه سويد بن عبد العزيز، قال البخاري: في حديثه نظر لا يحتمل، وقد صح ما يقتضي رد ما ذهب إليه هؤلاء؛ فقد روى أحمد والبزار وابن خزيمة برجال الصحيح من طريق حبيب المعلم عن عطاء عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا» زاد ابن خزيمة: «يعني في مسجد المدينة» لكن لفظ البزار: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام فإنه يزيد عيه بمائة» وهي محتملة لأن يكون الضمير في «فإنه يزيد» لمسجده أو للمسجد الحرام، وقد صحح ابن عبد البر حديث أحمد، وقال: هو الحجة عند التنازع، نص في موضع الخلاف، قاطع له عند من ألهم رشده، ولم تمل به العصبية، قال: ولا مطعن فيه إلا لمتعسف لا يعرج على قوله في حبيب، وقد كان الإمام أحمد يمدحه، ويوثقه، ويثنى عليه، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه، ولم يرو عنه القطان، وروى عنه أئمة ثقات يقتدى بهم، ومنهم من أعله باختلاف على عطاء؛ لأن قوما يروونه عنه عن ابن