الليل ثم لا تقوون عليها، قال عيسى بن عبد الله: وذلك موضع الأسطوان التي على طريق باب النبي صلّى الله عليه وسلّم مما يلي الزوراء.
قلت: صحّف بعضهم هذه اللفظة فقال: مما يلي الدور، ورأيت بخط الأقشهري: لعله مما يلي دوره، انتهى. والظاهر أن الرواية مما يلي الزور- بالزاي- يعني الموضع المزور في بناء عمر بن عبد العزيز خلف الحجرة كما سيأتي والله أعلم.
قال عيسى: وحدثني سعيد بن عبد الله بن فضيل قال: مر بي محمد بن الحنفية وأنا أصلي إليها، فقال لي: أراك تلزم هذه الأسطوانة، هل جاءك فيها أثر؟ قلت: لا، قال:
فالزمها فإنها كانت مصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الليل.
قلت: تقدم في حدود المسجد النبوي ما يقتضي أن الموضع المذكور كان خارج المسجد تجاه باب جبريل قبل تحويله إلى محله اليوم، وهو موافق لما سيأتي عن المؤرخين في بيان موضع هذه الأسطوانة، والمعروف من حاله صلّى الله عليه وسلّم أن قيامه في غير رمضان إنما كان في بيته، وهذا الموضع ليس منه، وفيما سبق مع أحاديث قيام رمضان ما يوهم أن القصة المذكورة كانت فيه، ففي صحيح البخاري عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اتخذ حجرة، قال:
حسبت أنه قال: من حصير، في رمضان فصلى فيها ليالي فصلى بصلاته ناس- الحديث» ورواه مسلم عنه بلفظ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها ليلا، حتى اجتمع إليه ناس، فذكره نحوه» وفي رواية لأبي عوانة عن زيد «اتخذ حجرة من حصير في المسجد في رمضان- الحديث» . ولعلها القبة التي كان يعتكف صلّى الله عليه وسلّم فيها في رمضان، فقد روى الطبراني في الكبير عن أبي ليلى قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اعتكف في قبة من خوص، وفي الكبير والأوسط عن معيقيب قال:«اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قبة من خوص بابها من حصير والناس في المسجد» وأسند يحيى عن أبي حازم مولى الأنصار قال: «اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد في رمضان في قبة على بابها حصير» ، وعن ابن عمر قال: بنى النبي صلّى الله عليه وسلّم بيتا من سعف في المسجد في آخر شهر رمضان يصلي فيه.
وقال المطري في بيان موضع هذه الأسطوانة: هي خلف بيت فاطمة رضي الله عنها، والواقف إليها يكون باب جبريل المعروف قديما بباب عثمان على يساره، وحولها الدرابزين: أي لاصقا بها يمينا ويسارا، وهو الشباك الدائر على الحجرة الشريفة وعلى بيت فاطمة رضي الله عنها، وقد كتب فيها بالرخام: هذا متهجّد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقال ابن النجار: هذه الأسطوانة وراء بيت فاطمة من جهة الشمال، وفيها محراب إذا توجه المصلى إليه كانت يساره إلى باب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل.
قلت: وقد جدد محرابها في هذه العمارة التي أدركناها أولا، وزيد في رخامه فوق