للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذهب فيه مال المسلم البنيان، قال الواقدي: فحدثت بهذا الحديث معاذ بن محمد الأنصاري، فقال: سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عمران بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر والمنبر: أدركت حجرات أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم من جريد على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ يأمرنا بهدم حجر أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم فما رأيت يوما كان أكثر باكيا من ذلك اليوم. قال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيب يقول: والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناشئ من المدينة ويقدم قادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ويكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر فيها، قال معاذ: فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمران بن أبي أنس: كان فيها أربعة أبيات بلبن لها حجر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها على أبوابها مسوح الشعر، ذرعت الساتر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع وعظم الذراع، فأما ما ذكرت من كثرة البكاء فلقد رأيتني في السمجد وفيه نفر من أبناء أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو أمامة بن سهل وخارجة بن زيد وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع، وقال يومئذ أبو أمامة: ليتها تركت حتى ينقص الناس من البنيان ويروا ما رضي الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم ومفاتيح خزائن الدنيا بيده.

وروى رزين عن عبد الله بن يزيد الهلالي قال: رأيت بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم حين هدمها عمر بن عبد العزيز يدخلها في المسجد مبنية باللبن حولها حجر من جريد ممدودة إلا حجرة أم سلمة، وذكر نحو ما تقدم باختصار.

وقال ابن الجوزي في الوفاء: قال محمد بن عمر: كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله، وكلما أحدث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهلا «١» نزل له حارثة عن منزله حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه.

قلت: وظاهره يخالف ما تقدم من أنه صلّى الله عليه وسلّم بنى أولا بيتين لزوجتيه، وأنه لما تزوج نساءه بنى لهن حجرا، وظاهره أنه كان كلما أحدث زوجة أحدث لها بناء حجرة، فيحمل ما هنا على أن حارثة كان ينزل له عن مواضع المساكن، وكان صلّى الله عليه وسلّم يبنيها.

ونقل الزركشي عن الشمس الذهبي أنه قال: لم يبلغنا أنه صلّى الله عليه وسلّم بنى له تسعة أبيات حين بنى المسجد، ولا أحسبه فعل ذلك، إنما كان يريد بيتا واحدا حينئذ لسودة أم المؤمنين، ثم لم يحتج إلى بيت آخر حتى بنى لعائشة رضي الله عنها، في شوال سنة اثنين، فكأنه صلّى الله عليه وسلّم بناها في أوقات مختلفة، انتهى.

وهو مقتضى ما قدمناه، غير أنه مخالف لما قدمناه في بيت عائشة رضي الله عنها، لما


(١) أي كلما تزوج رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) .

<<  <  ج: ص:  >  >>