للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم الذين كان لهم أبواب إلى غير المسجد مع أبواب من المسجد، وأما علي فلم يكن بابه إلا من المسجد، وأن الشارع صلّى الله عليه وسلّم خصّه بذلك، وجعل طريقه إلى بيته المسجد لما سبق، فباب أبي بكر هو المحتاج إلى الاستثناء، ولذلك اقتصر الأكثر عليه، ومن ذكر باب علي فإنما أراد بيان أنه لم يسد، وأنه وقع التصريح بإبقائه أيضا، والطريقة الثانية تعدد الواقعة، وأن قصة علي كانت متقدمة على قصة أبي بكر رضي الله عنهما.

ويؤيد ذلك ما أسنده يحيى من طريق ابن زبالة وغيره عن عبد الله بن مسلم الهلالي عن أبيه عن أخيه قال: لما أمر بسد أبوابهم التي في المسجد خرج حمزة بن عبد المطلب يجر قطيفة له حمراء، وعيناه تذرفان يبكي يقول: يا رسول الله أخرجت عمك وأسكنت ابن عمك، فقال: ما أنا أخرجتك ولا أسكنته، ولكن الله أسكنه، فذكر حمزة رضي الله عنه في القصة يدل على تقدمها.

وروى البزار وفيه ضعفاء قد وثقوا عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

انطلق فمرهم فليسدوا أبوابهم، فانطلقت فقلت لهم، ففعلوا إلا حمزة، فقلت: يا رسول الله قد فعلوا إلا حمزة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قل لحمزة فليحول بابه، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تحول بابك، فحوله، فرجعت إليه وهو قائم يصلي، فقال: ارجع إلى بيتك.

وروى البزار بإسناد قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه، عن علي رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدي، فقال: إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده بهارون، وإني سألت ربي أن يطهر مسجدي بك وبذريتك، ثم أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك، فاسترجع ثم قال:

سمع وطاعة، فسد بابه، ثم أرسل إلى عمر، ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن الله فتح باب علي وسد أبوابكم» .

قلت: ذكر العباس بدل حمزة هنا وفيما سيأتي فيه نظر؛ لأنه يقتضي تأخر ذلك؛ لأنه إنما قدم المدينة عام الفتح.

وأسند ابن زبالة ويحيى من طريقه عن رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: بينما الناس جلوس في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ خرج مناد فنادى: أيها الناس سدوا أبوابكم، فتحسحس «١» الناس لذلك ولم يقم أحد، ثم خرج الثانية فقال: أيها الناس سدوا أبوابكم، فلم يقم أحد، فقال الناس: ما أراد بهذا؟ فخرج فقال: أيها الناس سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب، فخرج الناس مبادرين، وخرج حمزة بن عبد المطلب يجر كساءه حين نادى


(١) تحسحس الناس: تحركوا ببطء. حسحس للشيء: توجّع وأظهر إحساسه بالألم منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>