مكانا إلى جانب المسجد يقال له «البطيحاء» وقال: من أراد أن يلغط أو يرفع صوتا أو ينشد شعرا أو يرفع صوتا فليخرج إليه، ولفظ يحيى: أن عمر بن الخطاب بنى في ناحية المسجد رحبة تدعى البطيحاء، ثم قال: من أراد أن يلغظ أو ينشد شعرا أو يرفع صوتا فليخرج إلى هذه الرحبة، زاد ابن شبة عقيب روايته من طريق محمد بن يحيى: قال محمد: وقد دخلت تلك البطيحاء في المسجد فيما زيد فيه بعد عمر رضي الله عنه.
وذكر ابن شبة في موضع آخر ما يبين أن البطيحاء كانت في جهة شرقي المسجد مما يلي مؤخره زمن عمر رضي الله عنه، فإنه قال: اتخذ خالد بن الوليد داره التي كانت بالبطيحاء، إلى آخر ما سيأتي عنه، مع بيان أنها الرباط المعروف اليوم برباط السبيل في شرقي المسجد.
وروى ابن شبة أيضا بسند جيد عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه كان إذا خرج من الصلاة نادى في المسجد: إياكم واللغط، ويقول: ارتفعوا في أعلى المسجد.
ورواه يحيى بلفظ: كان إذا خرج إلى الصلاة.
وروى ابن شبة بسند جيد إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عمر رضي الله عنه سمع ناسا من التجار يذكرون تجارتهم والدنيا في المسجد، فقال: إنما بنيت هذه المساجد لذكر الله، فإذا ذكرتم تجاراتكم ودنياكم فاخرجوا إلى البقيع.
وروى أيضا عن شيخه سليمان بن داود قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع صوت رجل في المسجد، فقال: أتدري أين أنت؟
كأنه كره الصوت.
وعن عبد الرحمن بن حاطب قال: كان بين عثمان وطلحة تلاح في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبلغ عمر رضي الله عنه، فأتاهم وقد ذهب عثمان وبقي طلحة، فقال: أفي مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقولان الهجر وما لا يصلح من القول؟ قال: فجثا طلحة على ركبتيه وقال:
إني والله لأنا المظلوم المشتوم، فقال: أفي مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقولان الهجر وما لا يصلح من القول؟ ما أنت مني بناج، فقال: الله الله يا أمير المؤمنين، فو الله إني أنا المظلوم المشتوم، فقالت أم سلمة من حجرتها: والله إن طلحة لهو المظلوم المشتوم، قال: فكف عمر رضي الله عنه.
وعن السائب بن يزيد قال: كنت مضطجعا في المسجد، فحصبني رجل «١» ، فرفعت رأسي، فإذا عمر رضي الله عنه فقال: اذهب فأتني بهذين الرجلين، فجئت بهما، فقال:
من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد ما فارقتماني حتى أوجعكما جلدا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟!
(١) حصبني: رماني بحجارة صغيرة.