للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد» .

وفي الصحيحين: «أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد» وفي رواية لابن زبالة: «إن المدينة تنفي خبث الرجال» وفي رواية: «خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد» . وفي صحيح البخاري حديث: «إنها طيبة تنفي الذنوب كما ينفي الكير خبث الفضة» .

وفي الصحيحين قصة الأعرابي الذي جاء من الغد محموما فقال: أقلني بيعتي، فأبى صلّى الله عليه وسلّم فخرج الأعرابي، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيّبها» .

قوله: «أقلني بيعتي» أي: انقض العهد حتى أرجع إلى وطني، وكأنه كان قد بايع على هجرة الإقامة. وقوله: «تنفي خبثها» يحتمل أن يكون بمعنى الطرد والإبعاد لأهل الخبث، وقصة الأعرابي المذكور ظاهرة فيه، وخصه ابن عبد البر بزمنه صلّى الله عليه وسلّم والظاهر كما قال النووي عدم التخصيص؛ ففي الصحيح: «لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها» يعني عند ظهور الدجال، وسيأتي في الفصل الخامس في حديث أحمد وغيره برجال الصحيح قصة خروج من بالمدينة من المنافقين إلى الدجال، ثم قال: «وذلك يوم التخليص، ذلك يوم تنفي المدينة الخبث» وقال عمر بن عبد العزيز مشفقا إذ خرج منها لمن معه: أتخشى أن نكون ممن نفت المدينة؟ وقد طهرها الله تعالى ممن كان بها من أرباب الأديان المخالفين لدين الإسلام، وأهلك من كان بها من المنافقين، وهؤلاء هم أهل الخبث الكامل، ومن عداهم من أهل الخبث والذنوب قد يكون طرده وإبعاده إن استمر على ذلك باخرة الأمر بنقل الملائكة له إلى غيرها من الأرض كما أشار إليه الأقشهري قال: ويكون قوله: «تنفي خبثها، وتنفي الذنوب» أي أهل ذلك، على طريقة حذف المضاف، ويحتمل أن يكون بمعنى طرد أهل الخبث الكامل، وهم أهل الشقاء والكفر، لا أهل السعادة والإسلام؛ لأن القسم الأول ليس قابلا للشفاعة ولا للمغفرة، وقد وعد صلّى الله عليه وسلّم من يموت بها بالشفاعة لهذا وجب انتفاء القسم الأول منها، ويحتمل أن يكون بمعنى تخليص النفوس من شرهها وميلها إلى اللذات بما فيها من اللأواء والشدة، ويؤيده رواية «إنها طيبة تنفي الذنوب» الحديث، ويكون نفيها للذنوب على ظاهره، سيما وقد اشتملت على عظيم المضاعفات، وتنوع المثوبات، وتوالي الرحمات، وقد قال تعالى:

إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود: ١١٤] مع ما لأهلها من الشفاعة والشهادة الخاصة، وما بها من تضاعف البركات، ويحتمل أن يكون بمعنى أنه لا يخفى حال من انطوى فيها على خبث، بل تظهر طويته كما هو مشاهد بها، ولم أر الآن من نصّ على هذا الاحتمال،

<<  <  ج: ص:  >  >>