صلّى الله عليه وسلّم عنها حتى ترتفع الشمس وتبيض، فالتفت إليّ وقال: بعد اليوم نؤخر كما قلت، وسكت عني.
قلت: وإنما ذكرت ذلك لأن كثيرا من الناس اليوم يشرعون في الصلاة عند وقوع الشمس على رؤوس الشراريف، وذلك قبل ارتفاع الشمس كرمح، والله أعلم.
المنارات التي عملها عمر بن عبد العزيز
وروى ابن زبالة ويحيى من طريقه عن محمد بن عمار عن جده، قال: جعل عمر بن عبد العزيز لمسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بناه أربع منارات في كل زاوية منه منارة.
قال كثير بن حفص: وكانت المنارة الرابعة مطلة على دار مروان، فلما حج سليمان بن عبد الملك أذن المؤذن، فأطل عليه، فأمر سليمان بتلك المنارة فهدمت إلى ظهر المسجد، وبابها على باب المسجد، وفي نسخة يحيى «وبابها على المسجد مما يلي دار مروان من قبل المسجد» .
قلت: فكان المسجد بعد ذلك له ثلاث منارات فقط، وهو المراد من قول ابن زبالة في موضع آخر: ولمسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاث منارات طول كل منارة ستون ذراعا، وقال في موضع آخر: وطول المنارة الشرقية اليمانية في السماء خمس وخمسون ذراعا، والمنارة الشرقية الشامية خمس وخمسون، والمنارة الغربية الشامية ثلاث وخمسون، وعرض المنارات ثمان أذرع في ثمان أذرع، اه.
وذكر ابن جبير في رحلته ما يقتضي أن المنارتين الشاميتين كانتا صغيرتين، بخلاف الشرقية اليمانية، فإنه قال: وللمسجد المبارك ثلاث صوامع إحداها في الركن الشرقي المتصل بالقبلة، والاثنتان في ركني الجهة الجوفية صغيرتان كأنهما على هيئة برجين، والصومعة الأولى المذكورة على هيئة الصوامع.
قلت: فكأن الشاميتين غيرتا بعد ابن جبير؛ فإنهما اليوم على هيئة الشرقية اليمانية المعروفة اليوم بالرئيسية؛ لاختصاص الرئيس بها، وكان طول المنارة الرئيسية في زماننا أولا من رأس هلالها إلى أسفلها خارج المسجد بالبلاط سبعة وسبعين ذراعا، بتقديم السين، ثم سقط منها نحو ثلثها بسبب الصاعقة التي نشأ عنها حريق المسجد الثاني كما سيأتي، فاقتضى الحال هدم جميعها، ثم أعيدت فكان طولها اليوم أزيد من مائة ذراع، فصارت أطول المنارات، ثم ظهر منها خلل بعد، فبعث السلطان الأشرف الشجاعي شاهين الجمالي وأمره بهدمها، فهدمها غير محكم، فحفر أساسها إلى الملك، وأعادها متقنة جدا في عرض جدارها الشرقي من موضع الجنائز شرقي المسجد، وزاد في ارتفاعها أيضا حتى بلغ زيادة عن مائة وعشرين ذراعا، وطول المنارة الشرقية الشامية وهي المعروفة بالسنجارية تسعة- بتقديم التاء