غيرة على أهله من مؤذنيها، فلم يوجد لذلك صحة ولا أثر البتة، انتهى ما ذكره ابن فرحون.
قلت: وجواب ما ذكره أخيرا أن تلك المنارة تحتمل أن تكون على باب المسجد وسطحه مما يلي دار مروان، وليس لها في الأرض أساس، ويدل على ذلك قوله في الرواية المتقدمة:
وبابها على المسجد، أو على باب المسجد؛ فلا يلزم من عدم وجود أثرها عند الحفر عدم وجودها أصلا ورأسا في تلك الجهة، ولم يتعرضوا لذرع هذه المنارة، وكانت أطول منارات المسجد. وقد ذرعتا من أعلى هلالها إلى الأرض، فكان ذلك خمسة وتسعين ذراعا- بتقديم التاء على السين- لكن صارت المنارة الرئيسية المجددة بعد الحريق أطول منها كما سبق، والله أعلم.
ويظهر من سياق ما تقدم أن أول جعل المنارات في المسجد كان في زيادة الوليد، ويشهد لذلك ما رواه ابن إسحاق وأبو داود والبيهقي أن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر كل غداة، فيأتي بسحر، فيجلس على البيت لينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى، ثم قال: اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن.
وروى خالد بن عمرو عن أبي برزة الأسلمي قال: من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد.
وروى غيره أن الأذان في زمنه صلّى الله عليه وسلّم كان على أسطوانة في دار عبد الله بن عمر التي في قبلة المسجد.
قال ابن زبالة: حدثني محمد بن إسماعيل وغيره قال: كان في دار عبد الله بن عمر أسطوان في قبلة المسجد يؤذن عليها بلال يرقى إليها بأقتاب «١» ، والأسطوان مربعة قائمة إلى اليوم يقال لها المطمار، وهي في منزل عبيد الله بن عبد الله بن عمر.
قلت: والظاهر أنها المرادة بقوله في الرواية المتقدمة في قصة الخوخة التي جعلت بدل طريق بيت حفصة: ووسعها لهم حتى انتهى بها إلى الأسطوان.
وقال الأقشهري، ومن خطه نقلت: عن عبد العزيز بن عمران قال: كان في دار عبد الله ابن عمر أسطوان في قبلة المسجد يؤذن عليها، وهي مربعة قائمة إلى اليوم. قال الأقشهري: وهي باقية إلى يومنا هذا، قال، يعني عبد العزيز: وكان يقال لها المطمار.
وأسند يحيى من طريق عبد العزيز بن عمران عن قدامة العمري عن نافع عن ابن عمر، قال: كان بلال يؤذن على منارة في دارة حفصة ابنة عمر التي تلي المسجد، قال: وكان يرقى
(١) الأقتاب: مفردها (القتب) : الرّحل الصغير على قدر سنام البعير.