الذي كان في زمنه صلّى الله عليه وسلّم، وفيه بعد؛ لأنه سيأتي ما يؤخذ منه أن الحائط الذي ضربته كان في جهة المشرق، ثانيهما لأنه كان له بابان؛ إذ لا مانع من ذلك، وهذا محمل ما رواه ابن عساكر عن محمد بن أبي فديك عن محمد بن هلال أنه رأى حجر أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم من جريد مستورة بمسوح الشعر، فسألته عن بيت عائشة، فقال: كان بابه من جهة الشام، قلت:
مصراعا كان أو مصراعين؟ قال: كان باب واحد، قلت: من أي شيء كان؟ قال: من عرعر أو ساج، وهذا مستند ابن عساكر في قوله: وباب البيت شامي، ولم يكن على الباب غلق مدة حياة عائشة، اه.
ثم ظفرت في طبقات ابن سعد بما يصرح بأن الحجرة الشريفة كان لها بابان؛ فإنه روي من طرق أنهم صلوا على النبي «بحجرته، وروى في أثناء ذلك عن أبي عسيم قال: لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: كيف نصلي عليه؟ قالوا: ادخلوا من ذا الباب أرسالا أرسالا فصلوا عليه، واخرجوا من الباب الآخر، والله أعلم.
وكان بيت حفصة بنت عمر رضي الله عنها ملاصقا لبيت عائشة رضي الله عنها من جهة القبلة.
ونقل ابن زبالة فيما رواه عن عبد الرحمن بن حميد وعبيد الله بن عمر بن حفص وأبي سبرة وغيرهم أنه كان بين بيت حفصة وبين منزل عائشة الذي فيه قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم طريق، وكانتا يتهاديان الكلام وهما في منزليهما، من قرب ما بينهما، وكان بيت حفصة عن يمين الخوخة.
قلت: فهو موقف الزائرين اليوم داخل المقصورة وخارجها، كما ذكره المطري، وتقدم في حدود المسجد النبوي أن جدار الحجرة مما يلي المسجد كان في حد القناديل التي بين الأساطين اللاصقة بجدار القبر، وبين الأساطين المقابلة لها، وهي التي إليها المقصورة الدائرة على الحجرة من جهة المغرب، وأن المسجد زيد فيه من تلك الجهة شيء من الحجرة، وأن الظاهر أن ما ترك في المسجد من الحجرة كان من مرافقها كالدهليز للباب، وأن ما بني عليه من ذلك هو صفة بيت عائشة رضي الله عنها التي وقع الدفن بها.
هذا ما تحصل لي من كلام متقدمي المؤرخين، خلاف ما اقتضاه كلام متأخريهم، من أن جدار الحجرة الذي [في] جوف الحائز الدائر عليها اليوم هو جدارها الأول، وإليه ينتهي حد المسجد، وأن جدار الحائز الذي جعله عمر بن عبد العزيز إنما جعله فيما يلي الحجرة من المسجد، وقد قدمنا من كلام ابن زبالة والمحاسبي نقلا عن مالك ما يرد ذلك، والله أعلم.