للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعليل الرافعي لما قاله بأن ذلك لم ينقل عن فعل السلف عجيب؛ إذ لا يقتضي ذلك التحريم، ومن حرّم اتخاذ الآنية وهو الأصح فإنما حرمه لأن النفس تدعو إلى الاستعمال المحرّم، وذلك إذا كانت له، وأما إذا جعلها للمسجد فلا تدعو النفس لذلك، فكيف يحرم وهي لا تسمى أواني؟

قال: ورأيت الحنابلة قالوا بتحريمها للمسجد، وجعلوها من الأواني أو مقيسة عليها، وليس بصحيح، ومن يقول بجواز التحلية والقناديل في سائر المساجد فلا شك أنه يقول بها في المساجد الثلاثة بطريق الأولى، ومن منع فلم يصرح في المساجد الثلاثة بشيء، لكن عموم كلامهم يشملها، وينبغي ترتيب الخلاف: ففي المساجد غير الثلاثة وجهان أصحهما الجواز، ومسجد بيت المقدس أولى بالجواز، والمسجدان مسجد مكة ومسجد المدينة أولى منه، ثم المسجدان على الخلاف في تفضيلهما، وقد يقال إن مسجد المدينة أولى لمجاورة النبي صلّى الله عليه وسلّم وقصد تعظيمه بما في مسجده من ذلك، هذا كله بحث، والمنقول ما تقدم.

وهذا في الاتخاذ من غير وقف، فإن وقف المتخذ من ذلك فقد قطع القاضي حسين والرافعي بأنه لا زكاة فيه، وقد رجح الرافعي فيها التحريم، فكيف يرجح ذلك؟ إذ مقتضاه صحة وقفها، فلعل مراد الرافعي إذا وقفت على قصد صحيح وإذا فرعنا على صحة وقفها.

قال: وهذا حكم المساجد في ذلك، وأما الحجرة الشريفة فتعليق القناديل فيها أمر معتاد من زمان، ولا شك أنها أولى بذلك من غيرها، والذين ذكروا الخلاف في المساجد لم يذكروها، وكم من عالم وصالح قد أتى للزيارة ولم يحصل من أحد إنكار لذلك.

فهذا وحده كاف في جواز ذلك مع ما تقدم، واستقراء الأدلة فلم يوجد فيها ما يدل على المنع. قال: فنحن نقطع بالجواز، والحجرة الشريفة هي بيت عائشة وما حوله، وأشار إلى بيان أن ما حوله إما منه أو من بقية الحجر المدخلة في المسجد.

قال: والمدفن الشريف بالحجرة له شرف على جميع المساجد وعلى الكعبة؛ فلا يلزم من المنع في المساجد والكعبة المنع هنا.

قال: ولم نر أحدا قال بالمنع هنا، فما وقف من ذلك إكراما لذلك المكان صح وقفه، وإن اقتصر على إهدائه صح أيضا كالمهدى للكعبة، وكذلك المنذور له، وقد يزاد هنا فيقال:

إنه مستحق للنبي صلّى الله عليه وسلّم والنبي صلّى الله عليه وسلّم حي، وإنما يحكم بانقطاع ملكه بموته عما كان في ملكه وجعله صدقة بعده.

وأما هذا النوع فلا يمتنع ملكه له، وهو الذي في أذهان كثير من الناس حيث يقولون: هذا للنبي صلّى الله عليه وسلّم.

ثم أورد ما رواه يحيى بن الحسين بسنده من الخبر الآتي في إجمار المسجد عن عبد الله بن

<<  <  ج: ص:  >  >>