ذكره من الجدار الظاهر، فهدموا جانبا من الصفحة الشرقية وجانبها مما يليها من الصفحة المنحرفة منها إلى جهة الزاوية الشمالية، وسعة ذلك خمسة أذرع بذراع اليد، وذلك من بعد نحو أربعة أذرع من الأرض إلى رأس الجدار المذكور، فظهر حينئذ هدم الحريق الذي في الفضاء الكائن بين جداري الحجرة الشريفة، ورأينا فيه كثيرا من الأخشاب المحترقة قد سلم من بعضها قدر الذراع ونحوه.
ثم في خامس عشر الشهر المذكور حضروا لتنظيف ذلك، وتوجه متولي العمارة لشيخنا العارف بالله تعالى سيدي شهاب الدين الأبشيطي قدس الله روحه، وسأله في الحضور للتبرك به، فحضر من خارج الجدار، وامتنع من الدخول وقرأ الفاتحة، وقال: نظفوا على بركة الله، ثم انصرف وقال لي بعد ذلك: ذكروا لنا أن هدم ذلك ضروري، فقلنا لهم:
الضروري يعمل، فلما دخلوا لإزالة ذلك شاهدت أمرا مهولا من ردم الحريق بحيث لم يتأت إزالته إلا بالعتل والمساحي، وتحققت بسبب ذلك عذر من أدرك زمن الحريق في عدم إزالة ما بالحجرة الشريفة منه كما قدمناه، وكان ارتفاعه في ذلك المحل نحو القامة، وهو ردم من السقف الأعلى وجص وآجر من الجدار الذي كان بأعلى سقف المسجد لتمييز الحجرة الشريفة عن غيرها، كما تقدم بيانه، ومما كان على رؤوس الأساطين ومما احترق من أخشاب ذلك، فاشتغلوا بتنظيفه وتزاحم الناس عليه فاستمروا في ذلك حتى بلغوا في تنظيفه الأرض القديمة، بحيث ظهر تحصيب ذلك المحل بحصباء تشبه ما في المسجد، غير أنها قد اسودّت من نداوة الأرض، واعتبرت التفاوت بين الأرض المرخمة خارج الجدار الظاهر والأرض المذكورة بداخله، فكانت الأرض المذكورة- أعني الداخلة بين الجدارين- أخفض من الخارجة بذراع وثلث بذراع اليد، وظهر من وصف البناء الداخل ما قدمناه في الفصل الثاني والعشرين من كونه مربعا بأحجار منحوتة عليها أبهة عظيمة، وأن الصفحة الغربية منه ملاصقة للصفحة الغربية من البناء الظاهر، وليس بينهما ولا مغرز إبرة، وأنه لا باب فيه ولا موضع باب، وفي الصفحة الشمالية لا صق بها الأسطوان التي قدمنا وصفه، وأن بعضه داخل في الصفحة المذكورة، وقد أثر فيه الحريق كما قدمناه حتى تشطب بعضه سيما في أعاليه وهو في صف مربعة القبر يليها من جهة المشرق.
وتبين حينئذ ما في الجدار الداخل من الانشقاق المتقدم وصفه في شماليه مما يلي المشرق، فأدخلوا فيه شمعة، فشاهدوا فيما يقابله من الجدار القبلي مما يلي المشرق أيضا انشقاقا مثله، وتبين لي أن البناء المتقدم وصفه بين الجدارين القبليين في موازاة الأسطوانة الظاهرة في الجدار القبلي التي يقف عندها المسلّم على عمر رضي الله عنه إنما جعل إدعاما للجدار المذكور لما حدث به ذلك الانشقاق، وظهر ما أدعموا به من الأخشاب بين الجدار