وحديث ابن عمر رواه البزار وابن خزيمة في صحيحه، وروى أحمد عن أبي أمامة أنه صلّى الله عليه وسلّم قال:«البصاق في المسجد سيئة، ودفنه حسنة» . ورواه ابن شبة بمعناه.
وروى أيضا عن أبي هريرة قال:«إن المسجد لينزوى من النخامة كما ينزوي الجلد من النار» ولهذا جزم النووي في التحقيق وشرح المهذب بتحريمه. ووقع في عبارة بعض أصحابنا التعبير بالكراهة، وحملها بعضهم على كراهة التحريم، وقال بعض العلماء: إنما يكون البزاق في المسجد خطيئة لمن لم يدفنه لأنه يقذر المسجد ويتأذى به.
قال القرطبي: ويدل على صحة هذا التأويل حديث أبي ذر الذي رواه مسلم وغيره:
«ووجدت في مساوي أعمالها- أي: الأمة- النخامة تكون في المسجد لا تدفن» فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد، بل بذلك وببقائها غير مدفونة.
قلت: الرواية الأولى بينت أن الفعل خطيئة، وأن الدفن يكفرها كما يكفر الجلد معصية الزنى، فلتحمل الرواية الآخرى عليها؛ لأن الإخبار فيها عما استقر عليه الأمر، لكن روى ابن شبة من طريق الفرج بن فضالة عن أبي سعيد قال: رأيت واثلة بن الأسقع دخل مسجد دمشق فصلى فيه، فبزق تحت رجله اليسرى ثم عركها، فلما انصرفت قلت له: أنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبزق في المسجد؟ فقال: هكذا رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم صنع.
ورواه أبو داود من الطريق المذكورة بنحوه، وفرج بن فضالة ضعّفه الدارقطني وغيره، وقواه أحمد، واقتصر الحافظ ابن حجر في التقريب على تضعيفه.
وروى ابن شبة أيضا بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دخل مسجدي هذا فبزق أو تنخم فليحفر فليبعد وليدفنه، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه حتى يخرج به» وهذا لو صح كان حجة لهذا المذهب.
فإن قيل: يعضده حديث البخاري عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه، أو إن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض، فقال: أو يفعل هكذا؟
وكذا ما رواه ابن شبة بإسناد جيد عن أبي نضرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «رأى نخامة في قبلة المسجد، فغضب غضبا شديدا حتى كاد يدعو على صاحبها، ثم قال: لا يبزق أحدكم في قبلته؛ فإن ربه مستقبلة، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا، ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى، فإن كان على يساره أحد فليبزق في ثوبه» وفي رواية: «فإن اكن عن يساره أحد يكره أن يبزق نحوه فليبزق في ثوبه، وبزق النبي صلّى الله عليه وسلّم في ثوبه وحكّ بعضه ببعض» فاقتضى ذلك جواز البصاق في المسجد فيما عدا القبلة واليمين حالة الصلاة، وهو مقيد بالدفن لما سبق.