قلت: الذي يظهر من كلام ابن زبالة أنه أراد بالسقايات ما يجعل لأجل الشرب، وظاهر ما ذكره ابن النجار أن المراد بذلك ما يجعل للوضوء. وذكره لما عملته أم الخليفة الناصر لدين الله صريح في ذلك، فإنه يعني بذلك الميضأة التي بابها في حائط المسجد الشامي، وكان لها باب آخر من خارج سد قديما، وهو ظاهر فيما يلي المسجد من المغرب.
وقوله «فيها عدة بيوت» أي عدد الأخلية التي بها.
وقوله أولا «فأما الآن فليس في المسجد سقاية إلا في وسطه» الظاهر أنه يريد السقاية التي كانت للشرب بوسط المسجد.
وقد ذكرها البدر بن فرحون فقال: ولقد كان في وسط المسجد سقاية يحمل إليها الماء من العين بناها شيخ الخدام في ذلك الوقت، ووقف عليها أوقافا من ماله وكانت متقدمة على النخل تقديرها خمسة عشر ذراعا في مثلها، وجعل في وسطها مصرفا للماء مرخما، ونصب فيها مواجير للماء وأزيارا ودوارق وأكوازا، وحجّرها بالخشب والجريد، وجعل لها غلقا من حديد، واستمرت السنين العديدة، فكثر الشر فيها، والتزاحم عندها، وصار يدخلها من يتوضأ فيها فربما يزيل فيها الأذى، من استقرب المدى، ثم تعدى الحال وزاد شرها. وذكر فتنة اتفقت للخدام مع بعض الأشراف بسببها، قال: فلما غلبت مفسدتها على مصلحتها أزيلت عن اجتماع من القاضي شرف الدين الأميوطي والشيخ ظهير الدين، انتهى.
وأما البركة التي ذكرها ابن النجار فإنها مذكورة في كلام المطري، واقتضى كلامه نسبتها لابن أبي الهيجاء، فإنه ذكر ما سيأتي عنه في الكلام على العين الزرقاء من أن ابن أبي الهيجاء في حدود الستين وخمسمائة أمدّ منها شعبة وأوصلها إلى الرحبة التي عند المسجد من جهة باب السلام، يعني سوق المدينة اليوم. ثم قال: وكان قد جعل منها شعبة صغيرة تدخل إلى صحن المسجد، وجعل لها منهلا بدرج عليه عقد يخرج الماء من فوارة يتوضأ منها من يحتاج إليه، فحصل بذلك انتهاك حرمة المسجد الشريف من كشف العورات والاستنجاء في المسجد، فسدّت لذلك، انتهى.
قلت: وقد رأيت آثار درجها في غربي النخيل التي بصحن المسجد قريبا منها، وليس بالمسجد اليوم شيء من السقايات إلا ما يحمل إليه من الدوارق المسبّلة فيشربها الناس في أوقات مخصوصة، إلا أن خزانة الخدام الآتي ذكرها لا يزال بها ماء لأجل شربهم. ثم لما عمر سلطان زماننا الأشرف مدرسته التي بين باب الرحمة وباب السلام جعل فيها سبيلا مما يلي باب الرحمة له شباك إلى المسجد.