المدرسة الشهابية، والذي يقابل هذا الباب اليوم من دار عثمان رباط أنشأه جمال الدين محمد بن أبي المنصور الأصفهاني المعروف بالجواد وزير بني زنكي.
قال المطري: وقفه على فقراء العجم، وجعل له فيه تربة لها شباك في جهة الشباك المتقدم ذكره في مقابلة القبر الشريف. ولما مرض وهو في السجن قال للشيخ أبي القاسم الصوفي: كنت أخشى أن أنقل من الدست إلى القبر، يعني أنه فرح بأن يأتيه الموت وهو على تلك الحالة، وقال له: إن بيني وبين أسد الدين شركوه- يعني عم صلاح الدين بن أيوب- عهدا أن من مات قبل صاحبه حمله صاحبه الحي إلى المدينة الشريفة فدفنه فيها في التربة التي عملها، فإن أنا مت فامض إليه فذكره، فلما توفي سار الشيخ إلى أسد الدين في هذا المعنى، فأعطاه مالا صالحا ليحمله به إلى مكة والمدينة الشريفتين، وأمر أن يحج معه جماعة من الصوفية، ومن يقرأ بين يدي تابوته عند النزول والرحيل وقدوم مدينة تكون في الطريق، وينادى بالصلاة عليه في البلاد، فلما كان في الحلة اجتمع الناس للصلاة عليه، فإذا شاب قد ارتفع على موضع عال ونادى بأعلى صوته:
سرى نعشه فوق الرقاب، وطالما ... سرى جوده فوق الركاب ونائله
يمرّ على الوادي فتثني رماله ... عليه، وبالنادي فتثنى أرامله
فلم ير باك أكثر من ذلك اليوم، ثم وصلوا به إلى مكة فطافوا به حول الكعبة، وصلوا عليه بالحرم، وحملوه إلى المدينة فصلوا عليه ودفنوه بتربته المذكورة.
وكانت وفاته في سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وكان له آثار حسنة سيما بالحرمين الشريفين، وعمل للمدينة الشريفة السور الآتي ذكره، وسنذكر هناك شيئا من ترجمته.
وفي قبلة رباطه من دار عثمان أيضا تربة اشترى أرضها أسد الدين شيركوه بن شاذي عم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي، وحمل إليها هو وأخوه نجم الدين أيوب والد صلاح الدين بعد موتهما ودفنا فيها سنة ست وسبعين وخمسمائة، وتوهم الذهبي أنهما دفنا بالبقيع فجزم به في العبر.
وبقية دار عثمان من القبلة دار إلى جانب هذه التربة موقوفة على خدام الحرم الشريف يسكنها مشايخهم، وهذه دار عثمان الكبرى المقابلة لهذا الباب، وسيأتي ذكر داره الصغرى التي في موضعها رباط المغاربة. ويعرف هذا الباب أيضا بباب جبريل عليه السلام.
قلت: ولم يبينوا سبب تسميته بذلك، ولعل سببها ما سبق في الفصل الرابع والعشرين من قول أبي غسان: إن علامة مقام جبريل التي يعرف بها اليوم أنك تخرج من الباب الذي يقال له باب آل عثمان فترى على يمينك إذا خرجت من ذلك الباب على ثلاثة أذرع وشبر وهو من الأرض على نحو من ذراع وشبر حجرا أكبر من الحجارة التي بها جدار المسجد،