علينا بوجهه وخطب وقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر- الحديث؛ فظاهره أن المراد بقيع الغرقد، لكني أستبعده؛ لأن المتقدمين من مؤرخي المدينة لم يذكروا ذلك مع اشتهار هذا الحديث، وكذلك المطري ومن تبعه. وأغرب الحافظ ابن حجر فقال في الكلام على ترجمة البخاري للرجم بالمصلّى: المراد المكان الذي كان يصلى عنده العيد والجنائز، وهو من ناحية بقيع الغرقد، اه.
ومأخذه في ذلك ظاهر هذا الحديث، مع ما ورد من رواية أخرى من الرجم عند موضع الجنائز، وقد تقدم أن موضع الجنائز في شرقي المسجد عند باب جبريل، وليس هو من البقيع، وأما المصلي حيث أطلقت فإنما يراد بها الموضع المعروف الذي قدمناه في غربي المدينة، وبقيع الغرقد في شرقيها، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في موضع آخر على الصواب كما سيأتي عنه في الطرف الثاني، وعلى تقدير أن يكون المراد من حديث البراء المتقدم بقيع الغرقد فهو من المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض السنين، وليس هو المراد إذا أطلق المصلى جزما.
والذي يترجح عندي أن المراد بالبقيع في حديث البراء سوق المدينة؛ لما قدمناه فيه من أنه كان يسمى بقيع الجبل، وهو أحد الأماكن المتقدم ذكرها لصلاة العيد، وكذلك هو المراد من حديث ابن عمر «أني أبيع الإبل بالبقيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير» كما قدمناه.
وقال الجمال المطري عقب نقله لما قدمناه عن ابن زبالة: ولا يعرف من المساجد التي ذكر لصلاة العيد إلا هذا المسجد الذي يصلي فيه اليوم، ومسجد شمالية وسط الحديقة المعروفة بالعريضي المتصلة بقبة عين الأزرق، ويعرف اليوم بمسجد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ولعله صلى فيه في خلافته، ومسجد كبير شمالي الحديقة متصل بها يسمى مسجد علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ولم يرد أنه رضي الله عنه صلى بالمدينة عيدا في خلافته؛ فتكون هذه المساجد الموجودة اليوم من الأماكن التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد سنة بعد سنة وعيدا بعد عيد؛ إذ لا يختص أبو بكر وعلي رضى الله عنهما بمسجدين لأنفسهما ويتركان المسجد الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.
قلت: ما ذكره من أنه لم يرد أن عليا رضي الله تعالى عنه صلى بالمدينة عيدا في خلافته، أي فلا تظهر نسبة المسجد المذكور إليه، وكأنه لم يقف على ما رواه ابن شبة عن سعد بن عبيد مولى ابن أزهر قال: صليت العيد مع علي رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه محصور؛ فصلى ثم خطب بعد الصلاة.
وروى أيضا عن الزهري قال: صلى سهل بن حنيف وعثمان محصور الجمعة، وصلى يوم العيد علي بن أبي طالب؛ فالظاهر أنه صلى حينئذ بذلك المكان لكونه أحد المصليات التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، لا أنه ابتكر الصلاة فيه، والله أعلم.