وفي مدارك عياض عن مالك أنه مات بالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرقوا في البلدان.
وقال المجد: لا شك أن مقبرة البقيع محشوة بالجماء الغفير من سادات الأمة، غير أن اجتناب السلف الصالح من المبالغة في تعظيم القبور وتجصيصها أفضى إلى انطماس آثار أكثرهم، فلذلك لا يعرف قبر معينين منهم إلا أفرادا معدودة.
قلت: وقد ابتنى عليها مشاهد: منها مشهد على يمينك إذا خرجت من باب البقيع قبلى المشهد المنسوب لعقيل بن أبي طالب وأمهات المؤمنين، تحوى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسن بن علي، ومن تقدم ذكره معه، وعليهم قبة شامخة في الهواء، قال ابن النجار: وهي كبيرة عالية قديمة البناء وعليها بابان يفتح أحدهما في كل يوم، ولم يذكر الذي بناها، وقال المطري: بناها الخليفة الناصر أحمد بن المستضئ.
قلت: وفيه نظر؛ لأن الناصر هذا كان معاصرا لابن النجار؛ لأنه توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ووفاة ابن النجار سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وقد قال ابن النجار: إن هذه القبة قديمة البناء، ووصفها بما هي عليه اليوم. ورأيت في أعلى محراب هذا المشهد:
أمر بعمله المنصور المستنصر بالله، ولم يذكر اسمه ولا تاريخ العمارة، فلعله المنصور الذي هو ثاني خلفاء بني العباس، لكنه لا يلقب بالمستنصر بالله، ولم أر من جمع بين هذين اللقبين، وعلى ساح قبر العباس أن الآمر بعمله المسترشد بالله سنة تسع عشرة وخمسمائة، ولعل عمارة القبة قبله، وقبر العباس وقبر الحسن مرتفعان من الأرض متسعان مغشّيان بألواح ملصقة أبدع إلصاق مصفحة بصفائح الصفر مكوكبة بمسامير على أبدع صفة وأجمل منظر.
وينبغي أن يسلم زائرهما على من قدمنا ذكر دفنه عندهما في قبر فاطمة والحسن رضي الله تعالى عنهما، وهناك قبور كثيرة لأمراء المدينة وأقاربهم من الأشراف يدفنون بهذا المشهد.
وفي غربيه قبر ابن أبي الهيجاء وزير العبيديين، عليه بناء، وقبر آخر يعرف بابن أبي النصر عليه بناء أيضا.
وفي شرقي المشهد بعيدا منه حظيرتان في إحداهما الأمير جوبان صاحب المدرسة الجوبانية، وفي الآخرى بعض الأعيان ممن نقل إلى المدينة، وإنما نبهت على ذلك خوفا من الالتباس على طول الزمان.
ومنها: مشهد في قبلة المشهد المنسوب لعقيل متصل به، قال المطري: يقال: إن فيه قبور أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم.